الصورة ، لِما أنّ تحصُّلَها بتحصُّلِ الصورة ، وأنّ الصورة شريكة العلّة للمادّة ، وأنّ الصورة متقدّمةٌ على المادّة وجوداً وإن كانت المادّة متقدّمةً عليها زماناً.
وأمّا أنّ الصورة الجسميّة لا تتعرّى عن المادّة فلأنّ الجسم أيّاً مّا كان لا يخلو عن عوارض مفارقة تتوارد عليه من أقسام الحركات والكم والكيف والأين والوضع وغيرها ، وكذلك الصور النوعيّة المتعاقبة عليه ، وهي جميعاً تتوقّف على إمكان واستعداد سابق لا حاملَ له إلاّ المادّة ، فلا جسمَ إلاّ في مادّة.
وأيضاً الجسم بما أنّه جوهرٌ قابلٌ للأبعاد الثلاثة طبيعةٌ نوعيّةٌ تامّةٌ واحدةٌ ، وإن كانت تحته أنواع ، وليس كمفهوم الجوهر الذي ليس له إلاّ أن يكون ماهيّةً جنسيّةً ، لا حكمَ له إلاّ حكم أنواعه المندرجة تحته.
فإذا كان طبيعةً نوعيّةً فهو بطبيعته وفي ذاته إمّا أن يكون غنيّاً عن المادّة غيرَ مفتقر إليها أو مفتقراً إليها ، فإن كان غنيّاً بذاته استحال أن يحلّ المادّة ، لأنّ الحلول عين الافتقار ، لكِنّا نجد بعض الأجسام حالا في المادّة ، فليس بغنيٍّ عنها؛ وإن كان مفتقراً إليها بذاته ، ثبت الافتقار ، وهو الحلول في كلّ جسم.
لا يقال (١) : لِمَ لا يجوز أن يكون غنيّاً عنها بحسب ذاته وتعرضه المقارنة في بعض الأفراد لسبب خارج عن الذّات كعروض الأعراض المفارقة للطبائع النوعيّة؟.
لأنّه يقال (٢) : مقارنة الجسم للمادّة ـ كما اُشير إليه (٣) ـ بحلوله فيها. وبعبارة
__________________
(١) هذا دخلُ مقدّر يستفاد ممّا ذكره بهمنيار في التحصيل ص ٣٤٧ ، حيث قال : «ولا تصحّ أن تكون حاجة الصورة إلى مثل هذا الموضوع أو المحلّ بسبب من خارج ...» أشار إليه أيضاً الشيخ الرئيس في الفصل الثاني من المقالّة الثانية من إلهيات الشفاء ، حيث قال : «واللواحق الخارجية لا تغنيها عن الحاجه إلى المادة بوجه من الوجوه».
(٢) هكذا أجاب عنه بهمنيار في التحصيل ص ٣٤٧ ، حيث قال : «فإنّ الغني بذاته عن المادّة لا يدخل عليه ما يحوجه إلى المادّة إلاّ بانقلاب عينه ، وهو محالٌ».
(٣) حيث قال : «لكنّا نجد بعض الأجسام حالا في المادّة».