غيرَ ملتبس بغيرها ، إلاّ أنّه يعسر التعبير عنها بما يفيد تصوّرها بالحقيقة.
وهي تُغايِرُ الشهوةَ ، كما أنّ مقابلها ـ وهو الكراهة ـ يغايِرُ؛ النفرةَ ولذا قد يريد الإنسان ما لا يشتهيه كشرب دواء كريه ينفعه ، وقد يشتهي ما لا يريده كأكل طعام لذيذ يضرّه» (١) ، إنتهى.
وبمثلِ البيان يظهر أنّ الإرادة غيرُ الشوق المؤكَّد الذي عرّفها به بعضهم (٢).
وملخَّص القول ـ الذي يظهر به أمرُ الإرادة التي يتوقّف عليها فعلُ الفاعل المختار ـ هو : أنّ مقتضى الاُصول العقليّة أنّ كلَّ نوع من الأنواع الجوهريّة مبدأ فاعليٌّ للأفعال التي يُنسب إليه صدورها ، وهي كمالات ثانية للنوع ، فالنفس الإنسانيّة ـ التي هي صورة جوهريّة مجرّدة متعلقةُ الفعل بالمادّة ـ علّةٌ فاعليّةٌ للأفعال الصادرة عن الإنسان ، لكنّها مبدأ علميٌّ لا يصدر عنها إلاّ ما ميّزته من كمالاتها الثانية من غيره ، ولذا تحتاج قبل الفعل إلى تصوّر الفعل والتصديق بكونه كمالا لها ، فإن كان التصديق ضروريّاً أو ملكةً راسخةً ، قضَتْ بكون الفعل كمالا ولم تأخذ بالتروّي ، كالمتكلّم الذي يتلفّظ بالحرف بعد الحرف من غير تروٍّ ، ولو تروّى في بعضها لتبلَّدَ وتلكّأ وانقطع عن الكلام ، وإن لم يكن ضروريّاً مقضيّاً به توسّلتْ إلى التروّي والفحص عن المرجّحات ، فإن ظفرَتْ بما يقضي بكون الفعل كمالا قضَتْ به.
ثمّ يتبع هذه الصورة العلميّة ـ على ما قيل (٣) ـ الشوق إلى الفعل لما أنّه كمالٌ ثان معلول لها ، ثمّ تتبع الشوقَ الإرادةُ ، وهي ـ وإن كانت لا تعبيرَ عنها يفيد تصوُّرَ حقيقتها لكن ـ يشهد لوجودها بعد الشوق ما نجده ممن يريد الفعلَ وهو عاجزٌ عنه ، ولا يعلم بعجزه ، فلا يستطيع الفعل وقد أراده ، ثمّ تتبع الإرادةَ القوّةُ
__________________
(١) راجع الأسفار ج ٤ ص ١١٣. وهذا بعينه ما قال التفتازانيّ في شرح المقاصد ج ١ ص ٢٣٦.
(٢) هكذا عرّفها الحكيم السبزواريّ في شرح المنظومة ص ١٨٤ ، حيث قال : «إنّ الإرادة فينا شوقٌ مؤكّدٌ يحصل عقيب داع». وقال في تعليقته على الأسفار ج ٦ ص ٣٢٣ الرقم (١) : «وذلك لأنّ الإرادة فينا هي الشوق الأكيد الشديد الموافي للمراد». ونسبه صدر المتألّهين إلى الأوّلين في الأسفار ج ٤ ص ١١٤.
(٣) والقائل الشيخ الرئيس في التعليقات ص ١٦.