المتسخِّن ما دام يتسخّن وتبرُّد المتبرِّد ما دام يتبرّد.
ومن خاصّة هاتين المقولتين : (أوّلا) : كما يظهر من الأمثلة أنّهما تعرضان غيرهما من المقولات كالكيف والكم والوضع وغيرها.
و (ثانياً) : أنّ معروضَهما ـ من حيث هو معروضٌ ـ لا يخلو عن حركة ، ولذا عُبّر عنهما بلفظ «أن يفعل» و «أن ينفعل» الظاهرين في الحركة والتدرّج ، دون الفعل والإنفعال اللذَيْن ربّما يُستعملان في التأثير والتأثّر الدفعيّ غير التدريجيّ (١).
وبالجملة المقولتان هيأتان عارضتان لمعروضهما من جملة ماله من الحركة.
قال في الأسفار : «واعلم أنّ وجودَ كلٍّ منهما في الخارج ليس عبارة عن نفس السلوك إلى مرتبة ، فإنّه بعينه معنى الحركة ، ولا أيضاً وجودُ كلٍّ منهما وجودَ المقولات التي يقع بها التحريك والتحرّك ، كالكيف مثل السواد ، والكم مثل مقدار الجسم النامي ، أو الوضع كالجلوس والإنتصاب ، ولا غير ذلك.
بل وجودهما عبارة عن وجود شيء من هذه المقولات ما دام يؤثِّر أو يتأثِّر ، فوجود السواد أو السخونة مثلا من حيث إنّه سواد من باب مقولة الكيف ، ووجودُ كلٍّ منهما من حيث كونه تدريجيّاً يحصل منه تدريجيٌّ آخر أو يحصل من تدريجيٍّ آخر هو من مقولة أن يفعل أو أن ينفعل.
وأمّا نفس سلوكه التدريجيّ ـ أي خروجه من القوّة إلى الفعل ـ سواءٌ كان في جانب الفاعل أو في جانب المنفعل ، فهو عين الحركة لا غير ، فقد ثبت نحو وجودهما في الخارج وعرضيّتهما» (٢) ـ إنتهى.
وأمّا الإشكال (٣) في وجود المقولتَيْن بأنّ تأثير المؤثِّر يمتنع أن يكون وصفاً
__________________
(١) كذا قال الشيخ الرئيس في الفصل السادس من المقالة السادسة من الفن الثاني من منطق الشفاء.
(٢) راجع الأسفار ج ٤ ص ٢٢٥.
(٣) والمستشكل فخر الدين الرازيّ في المباحث المشرقية ج ١ ص ٤٥٦ ـ ٤٥٧. وتعرّض له التفتازانيّ في شرح المقاصد ج ١ ص ٢٨٥ ، وصدر المتألّهين في الأسفار ج ٤ ص ٢٢٥ ـ ٢٢٦ ، وشرحه للهداية الأثيريّة ص ٢٧٥.