ثمّ إنّ مجعولَ العلّة والأثر الذي تضعه في المعلول هو إمّا وجود المعلول أو ماهيّته أو صيرورة ماهيّتِهِ موجودةً (١) ، لكن يستحيل أن يكون المجعول هو الماهيّة لما تقدّم أنّها اعتباريّة (٢) ، والذي يستفيده المعلول من علّته أمرٌ أصيلٌ ،
__________________
قال الشيخ الرئيس في رسالة الحدود : «إنّ العلّة هي كلّ ذات يلزم منه أن يكون وجود ذات اُخرى انّما هو بالفعل من وجود هذا بالفعل ، ووجود هذا بالفعل من وجود ذلك بالفعل» ، راجع رسائل ابن سينا ص ١١٧.
وقال في عيون الحكمة : «السبب هو كلّ ما يتعلّق به وجود الشيء من غير أن يكون ذلك الشيء داخلا في وجوده أو محقّقاً به وجوده». وناقش فيهما فخر الدين الرازيّ في شرح عيون الحكمة ج ٣ ص ٤٥.
وقال المحقّق الطوسيّ : «كلّ شيء يصدر عنه أمرٌ إمّا بالاستقلال أو بالانضمام فانّه علّة لذلك الأمر والأمر معلول له». راجع كشف المراد ص ١١٤. وأورد عليه القوشجيّ في شرحه للتجريد ص ١١٢ ، ثمّ قال : «فالصواب أن يقال : العلّة ما يحتاج إليه أمرٌ في وجوده». ولهم في كتبهم عبارات شتّى غير ما ذكر في تعريف العلّة والمعلول ، فراجع شرح المنظومة ص ١١٧ ، والأسفار ج ٢ ص ١٢٧ ، وحكمة الإشراق ص ٦٢ ، وشرح المقاصد ج ١ ص ١٥٢ ، وشرح المواقف ص ١٦٨.
(١) فالأقوال في مجعول العلّة ثلاثة :
الأوّل : أنّ مجعولها ماهيّة المعلول.
الثاني : أنّ مجعولها وجود المعلول.
الثالث : أنّ مجعولها صيرورة ماهيّة المعلول موجودةً.
أمّا الأوّل ، فذهب إليه الإشراقيّون. قال الشيخ الإشراقيّ : «ولمّا كان الوجود اعتباراً فللشيء من علّته الفيّاضة هويّته» راجع شرح حكمة الإشراق ص ٤١٦. ونُسب هذا القول إلى المحقّق الدوانيّ أيضاً ، فراجع الأسفار ج ١ ص ٤٠٧ ـ ٤٠٨.
وأمّا الثاني والثالث ، فذهب إليهما الحكماء المشاء. قال الحكيم السبزواريّ في شرح المنظومة ص ٥٨ : «لكن محقّقوهم مشوا إلى جانب مجعولية الوجود ، وغيرهم إلى مجعولية الاتّصاف وصيرورة الماهية موجودةً». وقال صدر المتألّهين في الأسفار ج ١ ص ٣٩٨ : «فجمهور المشائين ذهبوا ـ كما هو المشهور ـ إلى أنّ الأثر الأوّل للجاعل هو الوجود المعلول. وفسّره المتأخرون بالموجوديّة ، أي اتّصاف ماهية المعلول بالوجود بالمعنى الذي ذكرناه ، لا أنّ الأثر الأوّل هو ماهيّة الاتّصاف أو ذات المعلول أو نفس الوجود ، لاستغناء الماهيات بحقائقها التصوّرية عندهم من الجاعل».
(٢) في الفصل الثاني من المرحلة الاُولى.