وقد أنهَوا البديهيّات إلى ستّة أقسام ، هي المحسوسات والمتواترات والتجربيّات والفطريّات والوجدانيّات والأوّليّات على ما بيّنوه في المنطق (١).
وأولى البديهيّات بالقبول الأوّليّات ، وهي القضايا التي يكفي في التصديق بها مجرّد تصوّر الموضوع والمحمول ، كقولنا : «الكلّ أعظم من جزئه» ، و «الشيء ثابت لنفسه».
أو المقدّم والتالي ، كقولنا : «العدد إمّا زوج وإمّا فرد».
وأولى الأوّليّات بالقبول قضيّةُ «إمتناع اجتماع النقيضين وارتفاعهما» التي يفصح عنه قولنا : «إمّا أن يصدق الإيجاب ويكذب السلب أو يصدق السلب ويكذب الإيجاب».
وهي منفصلة حقيقيّة لا تستغني عنها في إفادة العلم قضيّةٌ نظريّةٌ ولا بديهيّةٌ حتّى الأوّليّات ، فإنّ قولنا : «الكلّ أعظم من جزئه» مثلا ، إنّما يفيد العلم إذا منع النقيض وكان نقيضه كاذباً.
فهي أوّل قضيّة يتعلّق بها التصديق وإليها تنتهي جميع العلوم النظريّة والبديهيّة في قياس إستثنائيّ يتمّ به العلم.
فلو فرض فيها شكّ سرى ذلك في جميع القضايا وبطل العلم من أصله.
ويتفرّع على ذلك :
أوّلا : أنّ لنا في كلِّ قضيّة مفروضة قضيّةٌ حقّةٌ ، إمّا هي نفسها أو نقيضها.
وثانياً : أنّ نقيض الواحد واحد ، وأنّ لا واسطة بين النقيضين.
وثالثاً : أنّ التناقض بين التصوّرين مرجعه إلى التناقض بين التصديقين ، كالتناقض بين الإنسان واللاإنسان الراجعين إلى وجود الإنسان وعدمه الراجعين إلى قولنا : «الإنسان موجود ، وليس الإنسان بموجود».
__________________
(١) راجع شرح المنظومة (قسم المنطق) ص ٨٨ ـ ٩١ ، وشرح حكمة الإشراق ص ١١٨ ـ ١٢٣ ، وشرح الإشارات ج ١ ص ٢١٣ ـ ٢١٤ ، وشرح المطالع ص ٣٣٣ ـ ٣٣٤ ، واساس الإقتباس ص ٣٤٥ ، والتحصيل ص ١٩٣ ، والفصل الرابع من المقالة الاُولى والفصل الخامس من المقالة الثالثة من الفن الخامس من منطق الشفاء.