يوجد ويحضر لشيء بالإمكان ، وكلّ ما كان للمجرّد بالإمكان فهو له بالفعل فهو معقولٌ بالفعل. وإذ كان العقل متّحداً مع المعقول فهو عقل ، وإذ كانت ذاته موجودةً لذاته فهو عاقل لذاته ، فكلّ مجرّد عقلٌ وعاقلٌ ومعقولٌ. وإن شئت فقل : «إنّ العقل والعاقل والمعقول مفاهيم ثلاثة منتزعة من وجود واحد».
والبرهان المذكور آنفاً كما يجري في كون كلِّ مجرّد عقلا وعاقلا ومعقولا لنفسه يجري في كونه عقلا ومعقولا لغيره.
فإن قيل (١) : لازمُ ذلك أن تكون النفس الإنسانيّة لتجرُّدها عاقلةً لنفسها ولكلّ مجرّد مفروض ، وهو خلاف الضرورة.
قلنا (٢) : هو كذلك لو كانت النفس المجرّدة مجرّدةً تجرّداً تامّاً ذاتاًوفعلا ، لكنّها مجرّدةٌ ذاتاً ومادّيةٌ فعلا ، فهي لتجرُّدها ذاتاً تعقل ذاتَها بالفعل.
وأمّا تعقّلها لغيرها فيتوقّف على خروجها من القوّة إلى الفعل تدريجاً بحسب الاستعدادات المختلفة التي تكتسبها. فلو تجرّدت تجرّداً تامّاً ولم يشغلها تدبير البدن حصلت له جميع التعقّلات حصولا بالفعل بالعقل الإجماليّ وصارت عقلا مستفاداً.
وليتنبّه أنّ هذا البيان إنمّا يجري في الذوات المجرّدة التي وجودها في نفسها لنفسها. وأمّا الأعراض التي وجودها في نفسها لغيرها فالعاقل لها الذي يحصل له المعقول موضوعها لا أنفسها. وكذلك الحكم في النسب والروابط التي وجوداتها في غيرها.
__________________
(١) هذا الإشكال أورده بعض مَنْ عاصر الشيخ الرئيس عليه كما نقل في المباحث المشرقيّة ج ١ ص ٣٧٣ والأسفار ج ٣ ص ٤٥٨.
(٢) كما أجاب عنه الشيخ الرئيس على ما في المباحث المشرقيّة ج ١ ص ٣٧٣ ، والأسفار ج ٣ ص ٤٥٨ ـ ٤٥٩. وناقش فيه صدر المتألّهين ثمّ أجاب عنه بوجه آخر ، راجع الأسفار ج ٣ ص ٤٥٩ ـ ٤٦٠.