العلّة ، وهو لا يفيد اليقين ، بل ربّما يسلك فيه من بعض اللوازم العامّة التي للموجودات المطلقة إلى بعض آخر وهو يفيد اليقين ، كما بيّنه الشيخ في كتاب البرهان من منطق الشفاء (١).
وقد سلك في البرهان السابق من حال لازمة لمفهومو موجود مّا ـ وهو مساوقٌ للموجود من حيث هو موجود ـ إلى حال لازمة اُخرى له ، وهو أنّ من مصاديقه وجودَ علّة غير معلولة يجب وجودها لذاتها.
فقد تبيّن بذلك أنّ البيان المذكور برهان إنّيٌّ مفيدٌ لليقين كسائر البراهين الموضوعة في الفلسفة لبيان خواصّ الموجود من حيث هو موجود المساوية للموجود العامّ.
تنبيهٌ
محصّل البيان السابق أنّ تحقُّقَ موجود مّا ملازمٌ لترجُّح وجوده إمّا لذاته فيكون واجباً بالذات ، أو لغيره وينتهي إلى ما ترجّح بذاته ، وإلاّ دار أو تسلسل وهما مستحيلان.
ويمكن تبديل ترجّح الوجود من وجوب الوجود فيكون سلوكاً إنّيّاً من مسلك آخر. تقريره : أنّه لا ريب أنّ هناك موجوداً مّا ، وكلّ موجود فإنّه واجب ، لأنّ الشيء ما لم يجب لم يوجد ، فإن كان هو أو شيءٌ منه واجباً لذاته فهو المطلوب ، وإن كان واجباً لغيره وهو علّته الموجودة الواجبة ، فعلّيتُهُ إمّا واجبة لذاتها فهو ، وإمّا واجبة لغيرها ، فننقل الكلام إلى علّة علّته ، وهلمّ جراً ، فإمّا أن يدور أو يتسلسل أو ينتهي إلى واجب لذاته ، والشقّان الأوّلان مستحيلان ، والثالث هو المطلوب.
__________________
في شوارق الإلهام ص ٤٩٨ : «وأيضاً قالوا : من القياسات الإنيّة ما هو أقرب إلى اللّم ، بل كاد أن يكون في مرتبته في الوثوق ، وهو ما يكون من اللوازم المنتزعة من حاقّ الملزوم وحقيقته من غير اعتبار أمر آخر على ما صرّح به الشيخ في الحكمة المشرقيّة» إنتهى.
(١) راجع الفصل الثامن من المقالة الاُولى من الفن الخامس من منطق الشفاء.