الصادر الأوّل ـ بحضوره عنده ، ويعلم سائر الأشياء ممّا دون العقل الأوّل بارتسام صورها في العقل الأوّل.
وفيه : أنّه يرد عليه ما يرد على القول السابق ـ من لزوم خلوّ الذات المتعالية عن الكمال وهي واجدة لكلّ كمال ـ ، على أنّه قد تقدّم في مباحث العاقل والمعقول (١) أنّ العقول المجرّدة لا علمَ ارتساميّاً حصوليّاً لها.
السادس : قول بعضهم (٢) : «إنّ ذاته المتعالية علْمٌ تفصيليٌّ بالمعلول الأوّل وإجماليٌّ بما دونه ، وذات المعلول الأوّل علْمٌ تفصيليٌّ بالمعلول الثاني وإجماليٌّ بما دونه ، وعلى هذا القياس».
وفيه : محذورُ خلُوِّ الذات المتعالية عن كمال العلم بما دون المعلول الأوّل وهي وجودٌ صِرْفٌ لا يسلب عنه كمال.
السابع : ما يُنسب إلى أكثر المتأخّرين (٣) ، أنّ له (تعالى) علماً تفصيليّاً بذاته وهو علم إجماليّ بالأشياء قبلَ الإيجاد؛ وأما علمه التفصيليّ بالأشياء فهو بعدَ وجودها ، لأنّ العلم تابعٌ للمعلوم ولا معلومَ قبلُ الوجود العينيّ.
وفيه : محذورُ خلوِّ الذات المتعالية عن الكمال العلميّ ـ كما في الوجوه السابقة ـ ، على أنّ فيه إثبات العلم الارتساميّ الحصوليّ في الوجود المجرّد المحض.
الثامن : ما يُنسب إلى المشّائين (٤) ، أنّ له (تعالى) علماً حضوريّاً بذاته المتعالية ، وعلماً تفصيليّاً حصوليّاً بالأشياء قبل إيجادها بحضور ماهيّاتها على النظام الموجود في الخارج لذاته (تعالى) ، لا على وجه الدخول بعينيّة أو جزئيّة ،
__________________
(١) راجع الفصل الأوّل من المرحلة الحادية عشرة.
(٢) أي بعض الحكماء. وتبعهم الحكيم السبزواريّ في شرح المنظومة ص ١٦٨.
(٣) نَسَبه إليَهم الحكيم السبزواريّ في شرح المنظومة ص ١٦٦.
(٤) كانَكْسيمانِس الملطيّ من القدماء ، وأبي نصر الفارابيّ وأبي علي بن سينا وبهمنيار وغيرهم من المتأخرين. راجع الأسفار ج ٦ ص ١٨٠ ، وشرح المنظومة ص ١٦٦ ، وشوارق الإلهام ص ٥١٥ ، والتعليقات للفارابيّ ص ٢٤ ، والجمع بين رأيي الحكيمين ص ١٠٦ ، والتعليقات للشيخ الرئيس ص ٢٦ ـ ٣٢ ، ٦٦ ، ٨١ ـ ٨٢ ، ١١٦ ، ١١٩ ـ ١٢٠ ، ١٤٩ ، ١٥٣ ، ١٥٦.