وليس منفصلَ الذّات عن الطرفَيْن بحيث يكون ثالثَهما ومفارقاً لهما كمفارقة أحدهما الآخر ، وإلاّ احتاج إلى رابط يربطه بالموضوع ورابط آخر يربطه بالمحمول ، فكان المفروضُ ثلاثةٌ خمسةً ، واحتاج الخمسة إلى أربعة روابط اُخَر وصارت تسعةً وهلّم جرّاً ، فتسلسل أجزاء القضية أو المركّب إلى غير النهاية ، وهي محصورة بين حاصرَيْن ، هذا محالٌ.
فهو إذن موجودٌ في الطرفَيْن قائمٌ بهما ، بمعنى ما ليس بخارج منهما من غير أن يكون عينَهما أو جزءَ هما أو عينَ أحدهما أو جزءه ، ولا أن ينفصل منهما؛ والطرفان اللذان وجوده (١) فيهما هما (٢) بخلافه.
فثبت أنّ من الموجود ما وجوده في نفسه وهو «المستقلّ» ، ومنه ما وجوده في غيره وهو «الرابط».
وقد ظهر ممّا تقدّم أنّ معنى توسّط النسبة بين الطرفَيْن كونُ وجودِها قائماً بالطرفَيْن رابطاً بينهما.
ويتفرّع عليه اُمور :
الأوّل : أنّ الوعاء الذي يتحقّق فيه الوجود الرابط هو الوعاء الذي يتحقّق فيه وجود طرفَيْه ، سواءٌ كان الوعاء المذكور هو الخارج أو الذهن؛ وذلك لما في طباع الوجود الرابط من كونه غيرَ خارج من وجود طرفَيْه؛ فوعاء وجود كلّ منهما هو بعينه وعاء وجوده ، فالنسبة الخارجيّة إنّما تتحقّق بين طرفَيْن خارجيَّين ، والنسبة الذهنيّة إنّما بين طرفَيْن ذهنيَّيْن.
والضابط أنّ وجود الطرفَيْن مسانخ لوجود النسبة الدائرة بينهما وبالعكس.
الثاني : أنّ تحقُقَ الوجود الرابط بين الطرفَيْن يوجب نحواً من الإتّحاد الوجوديّ بينهما؛ وذلك لِما أنّه متحقّقٌ فيهما غيرُ متميّزِ الذّات منهما ، ولا خارج منهما. فوحدته الشخصيّة تقضي بنحو من الإتّحاد بينهما ، سواءٌ كان هناك حمْلٌ كما في القضايا أو لم يكن كغيرها من المركّبات؛ فجميع هذه الموارد لا يخلو من ضرب من الإتّحاد.
__________________
(١) أي وجود الرابط.
(٢) أي الطرفان.