وأنكر الوجود الذهنيّ قومٌ (١) ، فذهب بعضهم (٢) إلى أنّ العلم إنمّا هو نوعُ إضافة من النفس إلى المعلوم الخارجيّ.
وذهب بعضهم (٣) ـ ونُسِبَ إلى القدماء (٤) ـ الى أنّ الحاصل في الذهن عند العلم بالأشياء أشباحُها المحاكية لها ، كما يحاكي التمثال لِذي التمثال مع مباينتهما ماهيّةً.
وقال آخرون (٥) بالأشباح مع المباينة وعدم المحاكاة.
ففيه خطأٌ من النفس غير أنّه خطأٌ منظّمٌ لا يختلّ به حياةُ الإنسان ، كما لو فرض إنسان يرى الحمرةَ خضرةً دائماً فيرتّب على ما يراه خضرةً آثارَ الحمرة دائماً.
والبرهان على ثبوت الوجود الذهنيّ أنّا نتصوّر هذه الاُمور الموجودة في الخارج ـ كالإنسان والفرس مثلا ـ على نعتِ الكلّيّة والصرافة ، ونحكم عليها بذلك ، ولا نرتاب أنّ لمتصوَّرِنا هذا ثبوتاً مّا في ظرفِ وجداننا ، وحَكَمْنا عليه بذلك ، فهو موجود بوجود مّا؛ وإذ ليس بهذه النعوت موجوداً في الخارج لأنّه فيه على نعتِ الشخصيّه والاختلاط فهو موجودٌ في ظرف آخر لا تترتّب عليه فيه آثاره الخارجيّة ونسمّيه : «الذهن».
__________________
(١) وهم قومٌ من المتكلمين ، كذا في شرح المنظومة ص ٣٠.
(٢) وهو فخر الدين الرازيّ ، راجع المباحث المشرقيّة ج ١ ص ٣٢١.
(٣) وهو قومٌ من المتأخّرين على ما في الأسفار ج ١ ص ٣١٤. وقال الحكيم السبزواريّ في شرح المنظومة ص ٣١ : «والقائل جماعة من الحكماء».
(٤) قال الحكيم السبزواري في تعليقته على الأسفار ج ١ ص ٣١٤ الرقم (١) : «يُنسب القول بالشبح إلى القدماء». ونَسَبه إليهم المحقّق اللاهيجيّ في شوارق الإلهام. ثمّ أراد توجيه مذهبهم بحيث يرجع إلى مذهب المتأخرين ، فقال : فالحقّ أنّ ماهيّات الأشياء في الذهن لمّا لم يظهر عنها آثارها ولم يصدر عنها احكامها أطلق القدماء عليها لفظ (الأشباح) لأنّ شبح الشيء لا يصدر عنه أثر ذلك الشيء ، لا أنّهم قائلون بحصول أشباح الأشياء في الذهن». راجع شوارق الإلهام ص ٥١ ـ ٥٢.
(٥) نُسب إلى جماعة من الحكماء ، فراجع شرح المنظومة ص ٣١.