من الموجوديّة المطلقة.
والمجموع من هذه الأبحاث هو الذي نسمّيه : «الفلسفة» (١).
وقد تبيّن بما تقدّم :
أوّلا : أنّ الفلسفة أعمُّ العلوم جميعاً ، لأنّ موضوعها أعمُّ الموضوعات ، وهو «الموجود» (٢) الشّامل لكلِّ شيء (٣).
فالعلوم جميعاً تتوقّف عليها في ثبوت موضوعاتها.
وأمّا الفلسفة فلاتتوقّف في ثبوت موضوعها على شيء من العلوم ، فإنّ موضوعها الموجود العام الذي نتصوّره تصوّراً أوّليّاً ونصدّق بوجوده كذلك ، لأنّ الموجوديّة نفسه.
وثانياً : أنّ موضوعها لَمّا كان أعمُّ الأشياء ولا ثبوتَ لأمر خارج منه كانت المحمولات المثبتة فيها إمّا نفسَ الموضوع ، كقولنا : «إنّ كلّ موجود فإنّه ـ من حيث هو موجودٌ ـ واحدٌ أو بالفعل» ، فإنّ الواحد وإن غايَرَ الموجود مفهوماً لكنّه عينه مصداقاً ، ولو كان غيرَه كان باطلَ الذات غيرَ ثابت للموجود ، وكذلك ما بالفعل؛ وإمّا ليست نفسَ الموضوع ، بل هي أخصّ منه ، لكنّها ليست غيرَه ، كقولنا : «إنّ العلّة موجودة» فإنّ العلّة وإن كانت أخصّ من الموجود لكنّ العلّيّة ليست حيثيّةً خارجةً من الموجوديّة العامة ، وإلاّ لبطلت.
وأمثال هذه المسائل مع ما يقابلها تعود إلى قضايا مردَّدَةِ المحمول ، تُساوي
__________________
(١) فالفلسفة هي العلم الباحث عن أحوال الموجود بما هو موجود. ويسمّى أيضاً «الفلسفة الاُولى» كما قال الشيخ الرئيس في الفصل الثاني من المقالة الاُولى من إلهيّات الشفاء : «وهو الفلسفة الاُولى لأنّه العلم بأوّل الاُمور في الوجود وهو العلّة الاُولى وأوّل الاُمور في العموم».
(٢) بخلاف من قال : «إنّ موضوعه هو الإله» ، ومن قال : «إنّ موضوعه هو العلل الأربع» ، راجع شرح عيون الحكمة ج ٣ ص ٨ ـ ٩.
(٣) إن قلت : قد يبحث في الفلسفة عن أحوال المعدوم ولا يعتبر فيها الوجود فكيف يشمله الموجود؟ قلنا : الموجود أعم من الذهنيّ والخارجي ـ كما سيأتي ـ والمعدوم وان كان معدوماً بالحمل الأولي ولكنّه موجود بالحمل الشائع الصناعي.