الذي ذهبت إلى مذهبه.
فإن قال : قلّدته لأني علمت أنه صواب. قيل له : علمتَ ذلك بدليل من كتاب أو سُنّة أو إجماع ، فقد أَبطَلَ التقليد ، وطولب بما ادّعاه من الدليل.
وإن قال : قلّدته لأنه أعلم مني. قيل له : فقلّد كل من هو أعلم منك ، فإنك تجد خلقاً كثيراً ، ولا تخص مَن قلّدته ، إذ علّتك فيه أنه أعلم منك.
فإن قال : قلّدته لأنه أعلم الناس. قيل له : فهو إذن أعلم من الصحابة. وكفى بقول مثل هذا قبحاً.
وإن قال : إنما أقلّد بعض الصحابة. قيل له : فما حُجّتك في ترك مَن لم يُقلَّد منهم ، ولعل مَن تركتَ قوله منهم أفضل ممن أخذت بقوله. على أن القول لا يصح لفضل قائله ، وإنما يصح بدلالة الدليل عليه (١).
وقال ابن حزم : إن العجب ليطول ممن اختار أخذ أقوال إنسان بعينه لم يصحبه من الله عز وجل معجزة ، ولا ظهرت عليه آية ، ولا شهد الله له بالعصمة عن الخطأ ، ولا بالولاية. وأعجب من ذلك إن كان مِن التابعين فمَن دونهم ، ممن لا يُقطع على غيب إسلامه (٢) ، ولا بِيَد مقلِّده أكثر من حسن الظن به ، وأنه في ظاهر أمره فاضل من أفاضل المسلمين ، لا يقطع له على غيره من الناس بفضل ، ولا يشهد له على نُظرائه بسبق ، إن هو إلا الضلال المبين (٣).
ثم قال : ثم ننحط في سؤالهم درجة فنقول : ما الذي دعاكم إلى التهالك على قول مالك وابن القاسم؟ فهلاّ تبعتم قول عمر بن الخطاب وابنه فتهالكتم عليها؟ فهما أعلم وأفضل من مالك وابن القاسم عند الله عز وجل بلا شك.
ونقول للحنفيين : ما الذي حملكم على التماوت على قول أبي حنيفة
__________________
(١) جامع بيان العلم وفضله ٢ / ١١٧.
(٢) يعني كيف نقلد من لا نقطع بأنه مسلم ، غاية ما في الأمر أننا نحسن الظن به باعتبار أنه في الظاهر من أفاضل المسلمين ، أما العلم بحقيقة حاله فلا سبيل لنا إليه.
(٣) الإحكام في أصول الأحكام ٦ / ٢٨٠.