ضلالة » ، لأن الأمة هنا لم تجتمع على ضلالة ، بل جُمِعَت وأُكرهتْ ، وهذا لا مانع من حصوله ، كما حصل في زمن الأمويين والعباسيين ، إذ أكرَهوا الناس على بيعتهم ، فحينئذ لا تكون تلك الخلافة شرعية.
الجهة الثانية : أن أهل السنة حكموا بأن بيعة أبي بكر في سقيفة بني ساعدة وقعت صحيحة من أول يوم مع أنها لم تكن عامّة ، ولم يتحقق إجماع عليها في أول يوم ، وقالوا : إن البيعة العامة حصلت في اليوم التالي. ولو سلّمنا بحصول الإجماع بعد ذلك ، فما هو المصحِّح لها قبل تحقق الإجماع؟
ثم إن قوماً ـ سيأتي ذِكرهم ـ من صحابة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يبايعوا أبا بكر ، وامتنعوا عن البيعة ، ولم يبايعوا إلا بعد ستة أشهر إن صحَّت عنهم الرواية.
قال ابن الأثير في اُسد الغابة : وكانت بيعتهم ـ يعني مَن تخلَّفوا عن بيعة أبي بكر ـ بعد ستة أشهر على القول الصحيح (١).
فإذا كانت بيعة أبي بكر صحيحة لأجل الإجماع فالإجماع لم يتحقق ، وإن كانت صحيحة لأمر آخر ، فلا بد من بيانه لننظر فيه هل هو صحيح أم لا.
والذي ذكره بعض علمائهم هو أنهم صحَّحوا خلافة أبي بكر ببيعة أهل الحل والعقد عندهم ، لا بالإجماع. ولذلك صدحَت كلماتهم بذلك وبعدم اشتراط تحقق الإجماع في بيعة الخلفاء.
قال الإيجي في المواقف : وإذا ثبت حصول الإمامة بالاختيار والبيعة ، فاعلم أن ذلك لا يفتقر إلى الإجماع ، إذ لم يقم عليه دليل من العقل أو السمع ، بل الواحد والاثنان من أهل الحل والعقد كاف ، لعلمنا أن الصحابة مع صلابتهم في الدين اكتفوا بذلك ، كعقد عمر لأبي بكر ، وعقد عبد الرحمن بن عوف لعثمان ، ولم يشترطوا اجتماع مَن في المدينة فضلاً عن اجتماع الأمة. هذا ولم ينكر عليه أحد ، وعليه انطوت الأعصار إلى وقتنا
__________________
(١) اُسد الغابة ٣ / ٣٣٠.