ثم إنه ـ بقرينة ما سيأتي ـ لا بد أن يكون منبعاً من منابع العلم ، ومصدراً من مصادر الحكمة ، لأن الأنبياء لا يورِّثون للأمَّة دراهم أو دنانير ، وإنما يورِّثون لهم العلم والحكمة.
وقد روي عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال : إن الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً ، وإنما ورَّثوا العلم ، فمن أخذه أخذ بحظ وافر (١).
وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « الثقلين » : بيَّنهما فيما سيأتي من كلامه بأنهما الكتاب والعترة.
قال ابن حجر : سَمَّى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم القرآن وعترته ـ وهي الأهل والنسل والرهط الأدنون ـ ثقلين ، لأن الثقل كل نفيس خطير مصون ، وهذان كذلك ، إذ كل منهما معدن العلوم اللدنية ، والأسرار والحكم العلية ، والأحكام الشرعية. ولذا حث صلىاللهعليهوآلهوسلم على الاقتداء والتمسك بهم ، والتعلم منهم ، وقال : الحمد لله الذي جعل فينا الحكمة أهل البيت. وقيل : سُمِّيا ثقلين لثقل وجوب رعاية حقوقهما (٢).
قلت : وهذا المعنى للثقلين ذكره أرباب المعاجم اللغوية ، ومنهم ابن منظور في لسان العرب ، وابن الأثير في النهاية ، والهروي في غريب الحديث ، وغيرهم.
قال ابن منظور : قال ثعلب : سُمِّيا ثقلين لأن الأخذ بهما ثقيل والعمل بهما ثقيل ، قال : وأصل الثَّقَل أن العرب تقول لكل شيء نفيس خطير مصون : ثَقَل. فسمَّاهما ثقلين إعظاماً لقدرهما وتفخيماً لشأنهما (٣).
__________________
(١) أخرجه البخاري في صحيحه ١ / ٢٧ ، سنن الترمذي ٥ / ٤٩ ، سنن أبي داود ٣ / ٣١٧ ، سنن أبن ماجة ١ / ٨١ ، سنن الدرامي ١ / ٩٨ ، مسند أحمد ٥ / ١٩٦ ، صحيح ابن حبان ١ / ٢٨٩ ، مشكل الآثار ١ / ٤٢٩ ، شرح السنة ١ / ٢٧٦ وغيرهم.
(٢) الصواعق المحرقة ، ص ١٥١ ، ٢ / ٤٤٢ ( ط محققة ).
(٣) لسان العرب ١١ / ٨٨ مادة ( ثقل ).