وقبل بيان ما هو المختار من الرأيين وتحقيق ذلك نقول :
المتبايعان ـ تارة ـ ينشآن البيع بينهما بالتعاطي فيعطي كل منهما ماله للآخر قاصدا تمليكه إياه بعوض ما يأخذه منه. وأخرى ـ ينشآن البيع بالعقد المشتمل على الإيجاب والقبول كبعت واشتريت. أما في صورة إنشاء البيع بالتعاطي فان فعلهما الخارجي ، وان كان على ما هو المختار ، مصداقا للبيع حيث أن مفهومه تمليك عين بعوض أو تبديل طرف إضافة مالكية بطرف اضافة مثلها لآخر كما هو المختار أو مبادلة مال بمال مع كون المعوض عينا ، كيف ما كان ، فالمفاهيم المذكورة تنطبق على فعلهما الخارجي وتشمله آية (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) (١) وآية التجارة (عَنْ تَراضٍ) (٢) ويصح بذلك ويحصل الملك لكل منهما فيما أخذه من صاحبه ، ولكنه ملك جائز ليس فيه اقتضاء اللزوم ، فإن غاية ما يستفاد من تعاطيهما بقصد الملك ملكية كل منهما ما أخذه من الآخر. وأما التعهد والالتزام من كل منهما بالثبات والبقاء على ما ملكه للآخر ، فلا دلالة لفعلهما عليه ، والآيتان إمضاء وتصحيح لما يستفاد من فعلهما ، وهو أصل الملكية ليس إلا كما أن السيرة التي استدل بها على حصول الملك بالمعاطاة غاية ما يستفاد منها معاملة المأخوذ بالمعاطاة معاملة الملك وترتيب آثاره عليه ، وأما لزوم الملك وعدم جواز الرجوع فيه ، فلا دلالة لها عليه ، ولعل منشأ تسالم الأصحاب ممن قال بإفادتها الملك أو الإباحة على عدم اللزوم : هو القصور في المقتضي لا لوجود دليل على عدمه ـ من إجماع ونحوه.
هذا إذا كان إنشاء البيع بالفعل. وأما في صورة إنشائه بين المتبايعين
__________________
(١) البقرة : ٢٧٥.
(٢) النساء : ٢٩.