الحالة الثالثة : وقد يكون الطبيب حاذقاً ، لكنّه قد عالج البالغ العاقل الرشيد من دون إذنه ، أو مع ممانعته ولم تكن حالته محسوبة من الطوارئ ، فالطبيب في هذه الحالة يكون متعدّياً بعمله فيكون ضامناً ، لأنّه من الواضح جداً أن الإنسان أولى بنفسه من غيره ، فقيام الطبيب بعمل على جسم المريض من دون إذنه يكون تعدّياً وظلماً ، فيكون الطبيب ضامناً لما يحدث من ضرر أو تلف ، وحتى مع عدم صورة الضرر والتلف يكون هذا الطبيب مستحقّاً للعقوبة الجزائية وللعقوبة في الآخرة.
الحالة الرابعة : وقد يكون الطبيب حاذقاً ، لكنّه يقصّر في عمله ، فيكون ضامناً لتقصيره الذي يؤول إلى التفريط في العمل ، وكل إنسان أضر غيره بتقصيره بعد أن تعهّد بطبابته فهو ضامن ، حيث ينسب التلف إليه ، وهذا لا ينافي ما سيأتي من تجويزنا للطبيب الحاذق المباشرة للمريض حتى بدون إذن كما في حالة الطوارئ ، فإنّه إحسان محض قد يجب من باب المقدّمة لحفظ النفس المحترمة ، كما في خبر ابان بن تغلب عن الإمام الصادق عليهالسلام قال : « كان المسيح عليهالسلام يقول : إنّ التارك شفاء المجروح من جرحه شريك لجارحه لا محالة ؛ وذلك أنّ الجارح أراد فساد المجروح والتارك لإشفائه لم يشأ صلاحه ، فإذا لم يشأ صلاحه فقد شاء فساده اضطراراً ، فكذلك لا تحدّثوا بالحكمة غير أهلها فتجهلوا ، ولا تمنوها أهلها فتأثموا ، وليكن أحدكم بمنزلة الطبيب المداوي إن رأى موضعاً لدوائه وإلاّ أمسك » (١).
فهذه الرواية لا تنافي الضمان الذي كان منشؤه هنا هو التقصير ( التفريط ) من الطبيب الذي هو من باب الاسباب ، والـمُسَبَّب ـ وهو الضمان ـ يتبع سببه كما في تأديب الزوجة والصبي ونحوهما ، بل هنا أولى لوجود التفريط.
__________________
(١) الكافي : ج ٨ ، ح ٥٤٥.