واحدا ، وجعل الطول من باب خراسان إلى باب الكوفة ثمانمائة ذراع ، ومن باب الشام إلى باب البصرة ستمائة ذراع ، ومن أول باب المدينة إلى الباب الذي يشرع إلى الرحبة خمسة أبواب حديد.
وذكر وكيع فيما بلغني عنه : أن أبا جعفر بنى المدينة مدوّرة لأن المدوّرة لها معان سوى المربعة ، وذلك أن المربعة إذا كان الملك في وسطها كان بعضها أقرب إليه من بعض ، والمدور من حيث قسم كان مستويا لا يزيد هذا على هذا ولا هذا على هذا ، وبنى لها أربعة أبواب ، وعمل عليها الخنادق وعمل لها سورين وفصيلين بين كل بابين فصيلان ، والسور الداخل أطول من الخارج. وأمر ألا يسكن تحت السور الطويل الداخل أحد ولا يبنى منزلا ، وأمر أن يبنى في الفصيل الثاني مع السور النازل لأنه أحصن للسور ، ثم بنى القصر والمسجد الجامع.
وكان في صدر قصر المنصور : إيوان طوله ثلاثون ذراعا ، وعرضه عشرون ذراعا ؛ وفي /* ـ +صدر الإيوان مجلس عشرون ذراعا في عشرين ذراعا ، وسمكه عشرون ذراعا ؛ وسقفه قبة وعليه مجلس مثله فوقه القبة الخضراء ؛ وسمكه إلى أول حد عقد القبة عشرون ذراعا ؛ فصار من الأرض إلى رأس القبة الخضراء ثمانين ذراعا ، وعلى رأس القبة تمثال فرس عليه فارس. وكانت القبة الخضراء ترى من أطراف بغداد.
حدّثني القاضي أبو القاسم التّنوخيّ قال : سمعت جماعة من شيوخنا يذكرون أن القبة الخضراء كان على رأسها صنم على صورة فارس في يده رمح ، فكان السلطان إذا رأى أن ذلك الصنم قد استقبل بعض الجهات ومد الرمح نحوها ، علم أن بعض الخوارج يظهر من تلك الجهة فلا يطول الوقت حتى ترد عليه الأخبار بأن خارجيّا قد نجم من تلك الجهة ، أو كما قال.
أنبأنا إبراهيم بن مخلد القاضي قال أنبأنا إسماعيل بن عسلي الخطبيّ قال : سقط رأس القبة الخضراء خضراء أبي جعفر المنصور التي في قصره بمدينته يوم الثلاثاء لسبع خلون من جمادى الآخرة سنة تسع وعشرين وثلاثمائة ، وكان ليلتئذ مطر عظيم ورعد هائل وبرق شديد ، وكانت هذه القبة تاج بغداد وعلم البلد ومأثرة من مآثر بني العبّاس عظيمة ، بنيت أول ملكهم وبقيت إلى هذا الوقت [إلى آخر أمر الواثق] (١). فكان بين بنائها وسقوطها مائة ونيف وثمانون سنة.
__________________
(١) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل ، وأضفناه من مطبوعة باريس.