وليمة كبيرة ، ودعى إليها كل من فى المدينة من الغرباء جنبا إلي جنب مع الآهلين. وأصر على أن يصافح الحاضرين مرحبا ، ولكنه لم ير هؤلاء الأشخاص الذين رآهم فى رؤياه ؛ فسأل من حوله :
ـ «أهناك من فقراء المدينة من لم يحضر وليمتى؟».
فأجابوه :
ـ «إن هناك عشر رجال ، مشغولون بالصوم ، والعباده ، منذ ثلاث سنوات ، يعيشون فى حجرة بمدرسة باب الشفاء ، وهم لا يأكلون ولا يشربون ، بل شغلهم الشاغل هو العبادة ..». فقال نور الدين شهيد : «أسرعوا ، وأحضروا هؤلاء الرجال إلى هنا ، لينالوا صدقاتنا ، وليأكلوا طعامنا».
وما أن مثل أمامه هؤلاء الرجال حتى تعرف عليهم ، فهاجم مقر إقامتهم ، فوجد مئات من الفئوس ، والكواريك ، والمقاطف ، والمعاول. وما أن أمر بإنزال العقاب بهم فورا حتى انتفض واحد منهم ـ وقد خيّل للبعض أنه على وشك الهلاك ـ وهجم على نور الدين ، وأطلق آخر النيران من بندقيته.
وتحت وطأة ما ذاقوا من عذاب ، وتنكيل ، اعترفوا بكل شئ ، وتم القبض على الآخرين الذين كانوا يتظاهرون بجمع القمامة على حميرهم. وتم كشف النقاب عن النفق الذى حفروه ، ودخل نور الدين شهيد بنفسه إلى هذا النفق الذى لم يكن قد بقى بين نهايته والقبر النبوى سوى خطوة واحدة. وأجبر هؤلاء الملاعين على الكلام ، فأعترفوا قائلين : «.. نحن من رهبان أسبانيا .. منذ أن ظهر دين محمد ، ونحن لا يقرلنا قرار ، ولا تطمئن لنا نفس ، ولا يهدأ لنا بال. لقد أخذ العرب ديارنا ، وفتحوا أقدس بقاعنا .. فكرنا كيف ننتقم منهم ؛ وكنا حسب خطة ، وتدبير الراهب ؛ الأب ، سنقوم بتهريب جسد نبيكم محمد إلي روما. وبهذا الشكل كنا سنسترد القدس ، والأندلس ، وأفريقيا ، وسوريا ونتوطن بها نحن ، أما العرب فليعودوا ثانية إلى صحراءهم».
تابعوا اعترافتهم قائلين :
«لقد وصلنا خطاب من الباب قبل شهر ، وأمرنا أن نستمر فى أعمالنا قائلا لنا فى خطابه لو استطعتم أن تحضروا جثمان محمد إلى روما ، أو أسبانيا ، فإننا سنجعلها