وتتركز الآمال حيث يوجد الملك والسلطان ، اللذان بهما تتيسر سبل الحياة وتحصل الطمأنينة والهدوء فى كنفهما ـ مع ذلك الانصراف فإنّ مكة المكرمة لها مكانة دينية فى نفس كل مسلم تجعلها دائما ـ ما بقى المسلمون ـ مطمح انظارهم فهي ـ فضلا عن كونها تضم مشاعر الحج ـ وفيها بيت الله المعظم ـ محط انظارهم وهم بحكم دينهم الحنيف ـ لا يمكن أن ينصرفوا عنها ، ولهذا فقد اصبحت منذ جاء الإسلام مركزا للثقافة الإسلامية العربية ، يجتمع فيها من العلماء في كل عام ما لا يجتمع في أية مدينة أخرى من مدن الإسلام.
وكان العلماء في العصور الأولى يقصدونها من مختلف أقطار العالم الإسلامي ليؤدّوا ركنا من اركان دينهم أداؤه فرض ، وليضيفوا إلى ذلك أمورا من أهمها التزود بزاد العلم والمعرفة ، فالعالم يفد إليها من أقصى المشرق أو المغرب فيلتقى بعالم آخر من بلاد بعيدة عن بلاده فيحصل من هذا الالتقاء تقارب وتفاهم ، واستزادة علم ، وامتداد لروافد المعرفة ، وانتشار للأفكار بين مختلف الأقطار الاسلامية ، ولقد كان علماء الاندلس يفدون إلى مكة المكرمة لا للحج وحده ولكن لينشروا علما ولستزيدوا منه ، وليكونوا صلة بين شرق البلاد وغربها بالعلم والثقافة.
ولو أراد باحث أو دارس أن يحاول التأليف عن صلة الأندلسيين بمكة من الناحية الثقافية لوجد الأمر أوسع مما يتصور ، ولنستعرض كتابين عن الأندلس احدهما ، «نفح الطيب» للمقّري ـ القاف مفتوحة مشددة ـ والثانى «فهرست ما رواه أبو بكر محمد بن خير الاشبيلي» استعراضا سريعا لمعرفة بعض العلماء الذين رحلوا من الأندلس إلى مكة فيما بين القرنين الثالث والسابع ممن كانوا رسل علم ، وحملة ثقافة ومعرفة ، وفى القرن الرابع : نجد من بين أولئك العلماء : ففي الثالث نجد من بين أولئك العلماء :
١ ـ يحيى بن يحيى الليثي (٢٣٤ ه ـ ٨٤٨ م) راوى الموطأ تلقى العلم بمكة عن سفيان بن عيينة وغيره.
٢ ـ ثابت بن حزم السرقسطي وابنه قاسم سمعا بمكة سنة (٢٨٨ ه ـ ٩٠٠ م) من الهجري وغيره.
٣ ـ زكريا بن خطاب التطيلّي : رحل من الأندلس سنة (٢٩٥ ه ـ ٩٠٧ م) فسمع بمكة كتاب «النسب» لعالم الحجاز الزبير بن بكار المتوفي سنة (٢٥٦ ه ـ