قائدا لثمانية آلاف جندى ، ولم يجعل هذا الخبر ينتشر. وفى الصباح التالى خرج أمامه ثلاثة آلاف جندى مصرى. وقد كان العسكر جميعا ، مدرعين من رأسهم ، إلى أخمص أقدامهم ، وكانت الطبول المصرية تصدح ، من كل مكان. وبينما هؤلاء الجند يصطفون هكذا ؛ فى شكل بديع محتشم ، سار جند الشام ، فوجا ، فوجا ، وقد إمتطى الفرسان ؛ صهوة جيادهم العربية الأصيلة ، من الجلفة ، والطريفى والصقلاوى ، والمصفحة ، والكالفدانى. وقد تدثرت قوات المحمودية (١) بأطقمها المذهبة ، والمطرزة بالذهب ، وقد أمسك الفرسان ببيارقهم من ناحية ، ومن ناحية آخرى بألجمة خيولهم. ثم مر خارموش باشا ، بخمسمائة من فرسانه ، على نغمات فرقته الموسيقية ، ومن خلفهم الفرسان التتارية (٢) ، ثم أعقبهم الآغوات بملابسهم الناصعة ، وقد أمتطوا صهوة جيادهم الكحيلانيه ، ومن خلفهم رؤساء القاپجية (٣).
__________________
(١) قوات المحمودية : مصطلح عسكرى يطلق على القوات النظامية الجديدة التى تشكلت فى عهد السلطان محمود الأول. وتسلحت بالاسلحة الحديثة ، وقضى بها على الإنكشارية فيما بعد. (المترجم)
(٢) طاطار ـ تاتارTatar : مصطلح إدارى يطلق على حاملى رسائل البريد قبل تأسيس إدارة البريد والبرق فى الدولة العثمانية. وكان يطلق عليه «اولاق» ـ حامل الرسائل وموصلها. أيضا. وهذا يختلف عن «ساعى» البريد ، فالساعى هو الذى يقوم بتوصيل الرسائل والمكاتبات الخاصة. ثم حلّ مصطلح التاتار على كل من يقوم بآعمال البريد. وتطلق عليه بعض المعاجم العثمانية «ساعى سريع الحركة ينقل الرسائل».
كانت تشكيلات البريد ـ التاتار ، تنطلق من العاصمة استانبول إلى سائر الولايات والبلدان ، لنقل الرسائل ، وقد قسمت الطرق إلى مسافات ، ومراحل كانت فى كل مرحلة توجد «منزلخانه» يترك فيها التاتار حيوانه سواء أكان خيلا أو بغالا.
وكان فى كل دائرة ، أو نظارة ، أو وزارة عدد من التاتار ؛ قد وصل فى بعضها إلى ٥٠ ـ ٦٠ تاتاريا ..
وكان التاتار يتحرك من العاصمة استانبول بالفرمان الذى يصدر له من الباب العالى إلى حيث توجه الرسالة. فمن استانبول إلى بلغراد ومن اسكدار حتى بغداد. وكانت الآهالى تجتمع فى المحاكم الشرعية فى المدن التى يصل إليها التاتار لقراءه ، والسماع إلى الفرمان أو الأوامر ، والتعليمات التى أحضرها.
كما كان الولاة يرسلون معهم تقاريرهم وكذا الأموال التى يبعثون بها من الولاية إلى العاصمة أو العكس.
كانت أوامرهم مطاعة فى كل المنازل التى ينزلونها ، ولا مراد أو مخالفه لما يقولونه وكانت تنفق من سرعتهم بضع حيوانات ، كما كانت القطعان تجر تحت سياطهم. ولا مانع من شنق القيم على محطة البريد إذا ما تأخر من إعداد الدواب اللازمة.
كانت لهم ملابسهم وقيافاتهم الخاصة بهم والتى يتميزون بها ، وكانت أغطية الرأس ال «قلباق» الخاص بهم ممنوع على أى طائفة أخرى أن تلبسه.
وكان رئيسهم فى أي دائرة حكومية يطلق عليه «آغا التاتار». وهو المسئوول المباشر عن كل ما يتعلق بالبريد. «المترجم»
(٣) قاپجى باشى : قپوجى باشى ؛ رئيس حراس البوابات : مصطلح إدارى يطلق على آمر ، أو ضابط الحراسة المكلف بحراسة بوابات السراى. وكانوا يقسمون إلى قسمين ؛ «دركاه عالى ، أى الآعتاب العالية ، والتانى ، باب همايون» أى