ويطلقون عليها «عيون زبيدة» .. ومن هذه العيون عمّرت مكة وأصبحت وكأنها مدينة تقع على نهر .. وأصبحت يانعة عامرة (عمرها الله إلى انقراض الدوران).
وقد يتبادر إلى الذهن سؤال ، أو يسأل سائل .. بينما تجرى مياه زمزم داخل مدينة مكة ، فكيف يعانى آهاليها من نقص المياه ..؟ والواضح على الفور أن ماء زمزم يدفع العطش ، ومن يشرب منه مرة تكفيه لمدة أربع وعشرين ساعة .. ولكن للأغراض الأخرى كسائر الحمامات والتطهر ، فإن استعمال ماء زمزم فى ذلك ممنوع تماما .. لإنه يستخدم من أجل الإستشفاء ولا تجوز به الطهاره ، لدرجة أن المكيين يشتمون بالشتائم المغلظة واحد من ولاية قره مان ، ويسمى ناطراش القره مانى لأنه تطهر بماء زمزم ويلقبونه بالقره إيمانى ـ «أي ذو الإيمان الأسور». ولذلك فإن طائفة الأتراك مزمومة جدا فى نظر آهل مكة.
وعدا ذلك ، ومن خيرات السيدة زبيدة أيضا ، أن هناك قرية تسمى جده على الطريق فيما بين مكة ومدينة جدة ، أوصلت من عيون المياه الجارية فيها ؛ المياه إلى بندر جدة ، بواسطة الجداول والمواسير مما ساعد على إعمار مدينة جده أيضا ..
ولكن بمرور الزمن ، والإهمال خرّبت مجارى هذه الخيرات .. وعند ما كان يمر من هذه المناطق بعض ملوك الدول وسلاطينها ، كان الأهالى يتضرعون إلى الله وسائلين هؤلاء النجدة ، فقام السلطان سليم خان عليه الرحمة والغفران بصرف الكثير من المال من خزينة مصر ، وأمر بترميمها ، وتنظيفها ، وتعميرها حتى عاد إليها العمران ، ودفع بذلك أيضا عطش حجاج بيت الله الحرام .. والجميع يذكر صاحب الخيرات بالدعاء له ، وطلب الغفران. ومن المقرر والواضح أن الكثير من العمارات ، والمباني ، والخانات ، والقصور ، والسرايات العالية أن بكل منها سبيل ماء .. وكل الأسبلة مزدانة ، ومنقوشة ، ومهتّم بها. وسبيل «فيزلر آغاسى» من الأسبلة الرائعة ، البديعة البنيان ، له قبة عاليه مزخرفة. على جوانبه الأربعة ترى الزخارف ، والنقوش البديعة ؛ وكأنه قصر من قصور الصين العجيبة. وعليه تأريخ مكتوب بالخط الجلي المذهب ولكن من شدة الزحام لم أتمكن من القراءة ، والتسجيل. ويتصل بهذا السبيل عشرون عينا ، تتدفق من صنابيرها المياه ، فتمنح الحياة والنماء من حولها ، وجميع المياه تجرى إليها من «نهر عرفات». وداخل السوق السلطاني تقع قرية ، تجرى