ينهمر دون أي مقدمات ، فدهش الحجاج لذلك. وبدأوا التفكير فى الكيفية التى يتمكنون بها من عبور صحراء «بلقاء» فالكثيرين منهم يعرف أن العديد من الكروانات ـ القوافل قد غرقت فى مياه تلك الصحراء. فمعروف أن بلقاء هذه منطقة وحلية تكثر بها المستنقعات ورمالها متحركة.
أخيرا ، تجمع الرجال فى حضرة الباشا ، وتشاوروا فى الأمر ، فأصدر الباشا أوامره متسائلا .. «أين رجال الشام ..؟ أين الدليل إبراهيم چلبى؟ فلقد عبر هذه المناطق عشرات المرات ، فلتخرج مفرزة من الفرسان لإستطلاع الطريق.
فتقدم شعار اوغلى والباششاويش والجاويش حب الزمان وبعض أصحاب الخبرة. وبعد ساعة عادوا قائلين .. «يا معالى الباشا هناك طريق رملى فى الناحية الشمالية ، ولكننا سنتأخر يومين فى هذا الطريق ..». فغضب الباشا وزمجر قائلا .. «إننا ونحن على هذه الحالة قد تأخرنا .. وأنتم تودون تأخيرنا يومين آخرين ..! سأطيح برقابكم جميعا فداء لسمعة السلطان ..». فقال بعض الشوام :
«.. إن صحراء بلقاء هذه تقطعها القوافل بمسيرة ثلاث ساعات ، ونتعشم إن شاء الله ألا تكون الأمطار قد أثرت فيها ، فلنتحرك فورا.
وعلى الفور أطلقت نوبات الإستعداد ، وتحرك الموكب ، ونزلنا فى صحراء منبسطة. ولكن استمرار هطول المطر بغزارة حال دون أن نخطو خطوة أخرى إلى الأمام.
مرحلة بوغاز بلقاء :
استمر هطول المطر حتى منتصف الليل ، وصارت الخيام ، والخيول ، والجمال وسط بركة من المياه. وشاء الله أن تخف الأمطار قليلا بعد منتصف الليل. وبينما القافلة تستعد للتحرك من جديد ، فإذا بالسماء تعصف ، والثلوج تهطل ، ويخيم الظلام على المكان ، ويطمس معالمه. مما أدى إلى نفوق بعض الحيوانات ، وإختفاء بعض الأفراد. وعلى الفور نادى المنادون بألا يتحرك أحد من مكانه ، وفى النهاية ، وما أن أصبح الصباح حتى رأينا الصحراء وقد تحولت إلي بحر متلاطم الأمواج ، فأمسك كل حاج بزمام جمله ، أو مقودة فرسه ، وأخذ يخوض وسط المياه ، سائرا على قدميه ،