سلطانه ، مسوغه برداء العافية على تفه صغر ، وملبسه رداء العفّة على قدح الأمور ، أبدى منها الخوف على ولده ، وعرض ديسم عزمه ، على ذوبان الجبل ، فانحطّوا في هواه ، وغرّوه بكاذب عصبة ، فأظهر الامتناع سادس ذي قعدة من العام المذكور ، واتصلت الأخبار ، وساءت الظنون ، وضاقت الصدور ، ونكست الرءوس لتوقّع الفاقرة ، بانسداد باب الصّريخ ، وانبتات سبب (١) النّصرة ، وانبعاث طمع العدوّ ، وانحطّت الأطماع في استرجاعه واستقالته ، لمكان حصانته ، وسموّ الذّروة ، ووفور العدّة ، ووجود الطّعمة ، وأخذه بتلاشي الفرصة. ثم ردفت الأخبار بخروج جيشه صحبة ولده إلى منازلة أشتبونة (٢) ، وإخفاق أمله فيها ، وامتساك أهلها بالدعوة ، وانتصافهم من الطائفة العادية ؛ فبودر إليها من مالقة بالعدد. وخوطب السلطان من ملك المغرب ، أيّده الله ، بالجليّة ، فتحققت المنابذة ؛ واستقرّت الظنون. وفي الخامس والعشرين من شهر ذي قعدة ، ثار به أهل الجبل ، وتبرّأ منه أشياعه ، وخذلوه بالفرار ، فأخذت شعابه ونقابه ، فكرّ راجعا أدراجه إلى القاعدة الكبيرة ، وقد أعجله الأمر ، وحملته الطمأنينة على إغفال الاستعداد بها ، وكوثر (٣) فألقي به ، وقد لحق به بعض الأساطيل بسبتة ، لداعي تسوّر توطّى على إمارته ، فقيّد هو وابنه ، وخيض بهما البحر للحين ، ولم ينتطح فيها عنزان ، رحمه الله ؛ سنام فئة ألقت بركها ، وأناخت بكلكلها ، وقد قدّر أنها واقعة ، ليس لها من دون الله كاشفة ، فقد كان من بالجبل برموا على إيالة ذينك المرتسمين ، وألقوا أجوارها ، وأعطوهما الصفقة ، بما أطمعهما في الثورة ، ولكل أجل كتاب. واحتمل إلى الباب السلطاني بمدينة فاس ، وبرز الناس إلى مباشرة إيصالهما مجلوبين في منصّة الشهرة ، مرفوعين في هضبة المثلة. ثم أمضى السلطان فيهما حكم الفساد ، بعد أيام الحرابة ، فقتل الشيخ بخارج باب السمّارين من البلد الجديد ، بأيدي قرابته ، فكان كما قال الأول : [الكامل]
أضحت رماح بني أبيه تنوشه |
|
لله أرحام هناك تشقّق |
وقطعت رجل الولد ويده ، بعد طول عمل وسوء تناول ، ولم ينشب أن استنقذه حمامه فأضحى عبرة في سرعة انقلاب حالهما من الأمور الحميدة ، حسن طلعة ، وذياع حمد ، وفضل شهرة ، واستفاضة خيريّة ، ونباهة بيت ، وأصالة عزّ ، إلى ضدّ هذه الخلال ، وقانا الله مصارع السوء ، ولا سلب عنا جلباب السّتر والعافية.
__________________
(١) كلمة «سبب» ساقطة في اللمحة البدرية.
(٢) أشتبونة بالإسبانيةEsTepona : وهي بلدة تقع على البحر المتوسط ، وشمال جبل طارق.
الإحاطة (ج ٢ ص ٢٤) حاشية رقم ٣.
(٣) أي كثر خصومه.