للنعم التي أولاها ، وأعادها ووالاها ، والصلاة والسلام (١) على سيدنا ومولانا محمد عبده ورسوله ، المترقّي من درجات الاختصاص أرفعها وأعلاها ، الممتاز من أنوار الهداية بأوضحها وأجلاها ، مطلع آيات السعادة يروق مجتلاها ، والرضا عن آله وصحبه الذين خبر صدق ضمائرهم لمّا ابتلاها ، وعسل ذكرهم (٢) في الأفواه فما أعذب أوصافهم على الألسن وأحلاها ، والدعاء لمقام أبوّتكم حرس الله تعالى علاها ، بالسعادة التي يقول الفتح : أنا طلّاع الثّنايا وابن جلاها (٣) ، والصّنائع التي تخترق المفاوز بركائبها المبشّرات فتفلي فلاها. فإنّا كتبنا إليكم ، كتب الله تعالى لكم عزّة مشيّدة البناء ، وحشد على أعلام صنائعكم الكرام جيوش الثناء ، وقلّدكم قلائد (٤) مكارم الأخلاق ، ما يشهد لذاتكم منه بسابقة الاعتناء. من حمراء غرناطة حرسها الله ، والودّ باهر السّناء (٥) ، مجدّ على الأناء ، والتشيّع رحب الدّسيعة (٦) والفناء.
وإلى هذا ، وصل الله تعالى سعدكم ، وحرس مجدكم! فإننا خاطبنا مقامكم الكريم ، في شأن الشيخ الفقيه الحافظ الصالح أبي عبد الله المقري ، خار الله تعالى لنا وله ، وبلّغ الجميع من فضله العميم أمله ، جوابا عمّا صدر من مثابتكم (٧) فيه من الإشارة المتمثّلة (٨) ، والمآرب المعملة ، والقضايا غير المهملة ، نصادركم بالشفاعة التي مثلها بأبوابكم لا يردّ ، وظمآها عن منهل قبولكم لا تجلى (٩) ولا تصدّ ، حسبما سنّه الأب الكريم والجدّ ، والقبيل الذي وضح منه في المكارم الرسم والحدّ. ولم نصدر الخطاب حتى ظهر لنا من أحواله صدق المخيّلة ، وتبلّج صبح الزّهادة والفضيلة ، وجود النفس الشّحيحة بالعرض الأدنى البخيلة ، وظهر تخلّيه عن هذه الدار ، واختلاطه باللفيف والغمار ، وإقباله على ما يعني مثله من صلة الأوراد ، ومداومة الاستغفار. وكنّا لما تعرّفنا إقامته بمالقة لهذا الغرض الذي شهره ، والفضل الذي أبرزه للعيان
__________________
(١) كلمة «والسلام» غير واردة في النفح.
(٢) عسل ذكرهم في الأفواه : أصبح حلوا كالعسل ، وهو كناية عن استعذاب الحديث عنهم. لسان العرب (عسل).
(٣) أخذه من قول سحيم بن وثيل الرياحي : [الوافر]
أنا ابن جلا وطلّاع الثنايا |
|
متى أضع العمامة تعرفوني |
الشعر والشعراء (ص ٥٣٨).
(٤) في النفح : «من قلائد».
(٥) في النفح : «السنا ، ظاهر السناء ، مجدّد على ...».
(٦) الدسيعة : الخلق ؛ ورحب الدسيعة : طيب الخلق والطباع. محيط المحيط (دسع).
(٧) في النفح : «مثابكم».
(٨) في النفح : «الممتثلة».
(٩) في النفح : «لاتحلأ».