وإيقاع المثلة (١) ، والإساءة (٢) بسبب القطيعة والمنابذة. وقد كان المترجم به لحق بغرناطة فتذمّم بمسجدها ، وجأر (٣) بالانقطاع إلى الله ، وتوعّد من يجيره (٤) بنكير من يجير ولا يجار عليه سبحانه ، فأهمّ أمره ، وشغلت القلوب آبدته ، وأمسك الرسل بخلال ما صدرت شفاعة اقتضت (٥) له رفع التّبعة ، وتركه إلى تلك الوجهة.
ولمّا تحصّل ما تيسّر من ذلك ، انصرف محفوفا بعالمي القطر ، قاضي الجماعة أبي القاسم الحسني المترجم (٦) به قبله ، والشيخ الخطيب أبي البركات بن الحاج ، مستهلين (٧) لوروده ، مشافهين للشفاعة (٨) في غرضه ، فأقشعت (٩) الغمّة ، وتنفّست الكربة. وجرى أثناء هذا من المراسلة والمراجعة ، ما تضمّنه الكتاب المسمّى ب «كناسة الدّكان بعد انتقال السّكان» المجموع بسلا ما صورته :
«المقام الذي يحبّ الشّفاعة ، ويرعى الوسيلة ، وينجز العدّة ، ويتمّم الفضيلة ، ويضفي مجده المنن الجزيلة ، ويعيى حمده الممادح العريضة الطويلة ، مقام محلّ والدنا الذي كرم مجده ، ووضح سعده ، وصحّ في الله تعالى عقده ، وخلص في الأعمال الصالحة قصده ، وأعجز الألسنة حمده ، السلطان الكذا (١٠) ابن السلطان الكذا ابن السلطان الكذا ، أبقاه الله سبحانه لوسيلة يرعاها ، وشفاعة يكرم مسعاها ، وأخلاق جميلة تجيب دعوة الطّبع الكريم إذا دعاها ، معظّم سلطانه الكبير ، وممجّد مقامه الشهير ، المتشيّع لأبوّته الرفيعة قولا باللّسان واعتقادا بالضمير ، المعتمد منه بعد الله على الملجإ الأحمى والوليّ النّصير. فلان (١١). سلام كريم ، طيب برّ عميم ، يخص مقامكم الأعلى ، وأبوّتكم الفضلى ، ورحمة الله وبركاته.
أما بعد (١٢) حمد الله ، الذي جعل الخلق الحميدة دليلا على عنايته بمن حلّاه حلاها ، وميّز بها النفوس النفيسة ، التي اختصّها بكرامته وتولّاها ، حمدا يكون كفوا
__________________
(١) في النفح : «العقوبة».
(٢) في النفح : «أو الإشادة بسبب إجارته بالقطيعة ...».
(٣) في الأصل : «جار» بدون همزة ، والتصويب من النفح. وجأر إلى الله : رفع صوته بالدعاء.
(٤) في النفح : «يجبره».
(٥) في النفح : «اقتضى له فيها رفع ...».
(٦) في النفح : «المذكور قبله».
(٧) في النفح : «مسلمين».
(٨) في النفح : «بالشفاعة».
(٩) في النفح : «فانقشعت».
(١٠) أغلب الظن أنه أبو عنان فارس ابن أبي الحسن المريني ، سلطان المغرب ، المتوفّى سنة ٧٥٩ ه. راجع حاشية عنان.
(١١) هو ثامن سلاطين بني نصر محمد بن أبي الحجاج يوسف بن إسماعيل ، وقد حكم غرناطة من عام ٧٥٥ إلى عام ٧٩٣ ه. راجع اللمحة البدرية (ص ١١٣ ، ١٢٩).
(١٢) النص في نفح الطيب (ج ٧ ص ٢٠٢ ـ ٢٠٤).