ألم يعلموا أنّ اغترابي حرامة |
|
وأن ارتحالي عن دارهم هو البخت؟ |
نعم لست أرضى عن زماني أو أرى |
|
تهادي السفن المواخر والبخت |
لقد سئمت نفسي المقام ببلدة |
|
بها العيشة النّكراء والمكسب السّحت |
يذلّ بها الحرّ الشريف لعبده |
|
ويجفوه بين السّمت من سنة ستّ |
إذا اصطافها المرء اشتكى من سمومها |
|
أذى ويرى فيه أدّا يبتّ |
ولست كقوم في تعصبّهم عتوا |
|
يقولون بغداد لغرناطة أخت |
رغبت بنفسي أن أساكن معشرا |
|
مقالهم زور وودّهم مقت |
يدسّون في لين الكلام دواهيا |
|
هي السّمّ بالآل المشود لها لتّ |
فلا درّ درّ القوم إلّا عصيبة |
|
إليّ بإخلاص المودّة قد متّوا |
وآثرت أقواما حمدت جوارهم |
|
مقالهم صدق وودّهم بحت |
لهم عن عيان الفاحشات إذا بدت |
|
تعام وعن ما ليس يعينهم صمت |
فما ألفوا لهوا ولا عرفوا خنى |
|
ولا علموا أنّ الكروم لها بنت |
به كل مرتاح إلى الضّيف والوغى |
|
إذا ما أتاه منهما النبأ البغت |
وأشعث ذي طمرين أغناه زهده |
|
فلم يتشوّف للذي ضمّه التّخت |
صبور على الإيذاء بغيض على العدا |
|
معين على ما يتّقي جأشه الشّتّ (١) |
ولي صاحب مثلي يمان جعلته |
|
جليسي نهارا أو ضجيعي إذا بتّ |
وأجرد جرّار الأعنّة فارح |
|
كميت وخير الخيل قدّاحها الكمت |
تسامت به الأعراق في آل أعوج |
|
ولا عوج في الخلق منه ولا أمت |
وحسبي لعضّات النوائب منجدا |
|
عليها الكميت الهند والصّارم الصّلت |
قطعت زماني خبرة وبلوته |
|
فبالغدر والتّخفيف عندي له نعت |
ومارست أبناء الزمان مباحثا |
|
فأصبح حبلي منهم وهو منبتّ |
وذي صلف يمشي الهوينا ترفّقا |
|
على نفسه كيلا يزايلها السّمت |
إذا غبت فهو المروة القوم عندهم |
|
له الصّدر من ناديهم وله الدّست |
وإن ضمّني يوما وإياه مشهد |
|
هو المعجم السّكيت والعمّة الشّخت |
فحسبي عداتي أن طويت مآربي |
|
على عزمهم حتى صفا لهم الوقت |
وقلت لدنياهم إذا شئت فاغربي |
|
وكنت متى أعزم فقلبي هو البتّ |
وأغضيت عن زلّاتهم غير عاجز |
|
فماذا الذي يبغونه لهم الكبت؟ |
__________________
(١) الشّتّ : المتفرّق. محيط المحيط (شتت).