وجرى ذكره في التاج بما نصّه (١) : مدير أكواس (٢) البيان المعتّق ، ولعوب بأطراف الكلام المشقّق ، انتحل لأول أمره الهزل من أصنافه ، فأبرز درّ معانيه من أصدافه ، وجنى ثمرة الإبداع لحين قطافه. ثم تجاوزه إلى المعرّب (٣) وتخطّاه ، فأدار كأسه المترع وعاطاه ، فأصبح لفنّيه (٤) جامعا ، وفي فلكيه شهابا لامعا ، وله ذكاء يطير شرره ، وإدراك تتبلّج غرره ، وذهن يكشف الغوامض ، ويسبق البارق الوامض (٥) ، وعلى ذلاقة لسانه ، وانفساح أمد إحسانه ، فشديد الصّبابة بشعره (٦) ، مغل لسعره.
شعره : أخبرني الكاتب أبو عبد الله بن سلمة ، أنه خاطبه بشعر أجابه عنه بقوله ، في رويّه (٧) : [الخفيف]
أحرز الخصل من بني سلمه |
|
كاتب تخدم الظّبا قلمه |
يحمل الطّرس عن (٨) أنامله |
|
أثر الطّرس (٩) كلّما رقمه (١٠) |
وتمدّ البيان فكرته (١١) |
|
مرسلا حيث يمّمت ديمه |
خصّني متحفا بخمس إذا |
|
بسم الرّوض فقن مبتسمه |
قلت أهدى زهر الرّبا خضلا |
|
فإذا كلّ زهرة كلمه |
أقسم الحسن لا يفارقها |
|
فأبرّ انتقاؤها قسمه |
خطّ أسطارها ونمّقها |
|
فأتت كالقعود منتظمه |
كاسيا من حلاه لي حللا |
|
رسمها من بديع ما رسمه |
طالبا عند عاطش نهلا |
|
ولديه الغيوث منسجمه |
يبتغي الشّعر من أخي بله |
|
أخرس العيّ والقصور فمه |
أيها الفاضل الذي حمدت (١٢) |
|
ألسن المدح والثّنا شيمه |
لا تكلّف أخاك مقترحا |
|
نشر عار لديه قد كتمه |
__________________
(١) النص في نفح الطيب (ج ٨ ص ٤٠٠ ـ ٤٠١).
(٢) في النفح : «أكؤس».
(٣) في النفح : «المغرب».
(٤) أي فنّي النظم والنثر.
(٥) الوامض : المضيء. لسان العرب (ومض).
(٦) في الأصل : «الضنانة يشعره» والتصويب من النفح.
(٧) الأبيات في نفح الطيب (ج ٨ ص ٤٠١ ـ ٤٠٢).
(٨) في النفح : «من».
(٩) في النفح : «الحسن».
(١٠) في الأصل : «رقّه» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من النفح.
(١١) في الأصل : «ويمدّ البيان بفكرته» وهكذا ينكسر الوزن ، والتصويب من النفح.
(١٢) في النفح : «حفظت».