تصميمهم مؤذنة بالبوار (١) ، وأشفقنا للذين (٢) من وراء البحار ، وقد أصبح معظمهم (٣) في لهوات الكفّار ، وأردنا أن نهزّهم (٤) بالموعظة التي تكحل البصائر بميل الاستبصار ، وتلهمكم الاستنصار بالله عند عدم الانتصار ، فإن جبر الله الخواطر بالضراعة إليه ، والانكسار ، ونسخ الإعسار بالإيسار ، وأنجد اليمين بانتهاء اليسار ، وإلا فقد تعيّن في الدنيا والآخرة حظّ الخسار ، فإنّ من ظهر عليه عدوّ دينه (٥) ، وهو عن (٦) الله مصروف ، وبالباطل مشغوف ، وبغير العرف معروف ، وعلى الحطام المسلوب ملهوف (٧) ، فقد تلّه (٨) الشيطان للجبين ، وخسر (٩) الدنيا والآخرة ، وذلك (١٠) هو الخسران المبين. ومن نفذ فيه قدر الله عن أداء الواجب وبذل المجهود ، وآجر (١١) بالعبودية وجه الواحد الأحد المعبود ، ووطّن النفس عن (١٢) الشهوات الموبقة في دار الخلود ، العائدة بالحياة الدّائمة والوجود ، أو الظّهور على عدوّه المحشور إليه المحشود (١٣) ، صبرا على المقام المحمود ، وبيعا (١٤) تكون الملائكة فيه من (١٥) الشهود ، حتى تعيث (١٦) يد الله في ذلك البناء المهدوم ، بقوة الله المحمود ، والسّواد الأعظم الممدود ، كان على أمر ربّه (١٧) بالحياء المردود : (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ) (٥٢) (١٨). فالله (١٩) الله في الهمم ، فقد خبت (٢٠) ريحها. والله الله في العقائد ، فقد خفتت (٢١) مصابيحها. والله الله في الرّجولة (٢٢) ، فقد فلّ حدّها. والله الله في الغيرة ، فقد نعس (٢٣) جدّها ، والله الله في الدّين ، فقد طمع
__________________
(١) في النفح : «البوار». والبوار : الهلاك. لسان العرب (بور).
(٢) في النفح : «للدين المنقطع من ...».
(٣) في النفح : «مضغة».
(٤) في النفح : «نهزّكم».
(٥) في النفح : «عدو دين الله تعالى».
(٦) في النفح : «من».
(٧) في النفح : «عنه ملهوف».
(٨) تلّه : صرعه ، وتلّه للجبين : صرعه ، ومنه قول الله تعالى : (وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) سورة الصافات ٣٧ ، الآية ١٠٣. وانظر محيط المحيط (تلل).
(٩) في النفح : «وقد خسر».
(١٠) في النفح : «ذلك».
(١١) في النفح : «وأفرد».
(١٢) في النفح : «على الشهادة المبوئة دار ...».
(١٣) في الأصل : «عدوه المحشود إليه ...» ، والتصويب من النفح.
(١٤) في النفح : «وبيعا من الله تكون».
(١٥) كلمة «من» ساقطة في النفح.
(١٦) في النفح : «تعين».
(١٧) في النفح : «أمريه».
(١٨) سورة التوبة ٩ ، الآية ٥٢. وهنا ينتهي النص في نفح الطيب.
(١٩) النص في نفح الطيب (ج ١٠ ص ٢٣٢).
(٢٠) في النفح : «خمدت».
(٢١) في النفح : «خبت».
(٢٢) في النفح : «الرجولية».
(٢٣) في النفح : «تعسّر».