أما بعد حمد الله الذي لا نشرك به أحدا ، ولا نجد من دونه ملتحدا ، مبتلي قلوب المؤمنين أيها أقوى جلدا ، وأبعد في الصبر مدى ، ليزيد الذين اهتدوا هدى ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي أنقذ من الردى ، وتكفل الشفاعة لمن غدا ، ضاربا هام العدا ، ومجاهدا من اتخذ مع الله ولدا ، والرضى عن آله الذين كانوا لسماء ملّته عمدا ، فلم ترعهم الكتائب الوافرة وكانوا لهم أقل عددا ، ولا هالتهم أمم الكفر وإن كانت أظهر جمعا وأكثر عددا ، صلاة لا تنقطع أبدا ، ورضى لا يبلغ مدى. فإنا كتبنا إليكم ، كتبكم الله فيمن امتلأ قلبه غضبا لأعدائه وحميّة ، ورمى بفكره غرض السّداد ، فلم يخط منه هدفا ولا رمية. وقد (١) اتصل بنا الخبر الذي يوجب نصح الإسلام ، ورعي الجوار والذّمام ، وما جعل الله تعالى (٢) للمأموم على الإمام ، فوجب علينا (٣) إيقاظكم من مراقدكم المستغرقة ، وجمع أهوائكم المفترقة (٤) ، وتهييئكم إلى مصادمة الشدائد المرعدة المبرقة ، وهو أنّ كبير (٥) النصرانية ، الذي إليه ينقادون ، وفي مرضاته يصادقون ويعادون ، وعند رؤية صليبه يبكون (٦) ويسجدون ، لما رأى الفتن قد أكلتهم خضما وقضما (٧) ، وأوسعتهم هضما فلم تبق لهم (٨) عصبا ولا عظما ، ونثرت ما كان نظما ، أعمل نظره فيما يجمع منهم ما افترق ، ويرفع ما طرق ، ويرفو (٩) ما مزّق الشّتات وخرق ، فرمى الإسلام بأمة عددها كالقطر (١٠) المنثال ، والجراد الذي تضرب به الأمثال ، وعاهدهم وقد حضر التمثال ، وأمرهم وشأنهم الامتثال ، أن يدمنوا (١١) لمن ارتضاه (١٢) الطاعة ، ويجمعوا من (١٣) ملّته الجماعة ، ويطلع الكلّ على هذه الفئة القليلة الغريبة بغتة كقيام السّاعة ، وأقطعهم ، قطع الله بهم ، العباد والبلاد ، والطّارف والتّلاد (١٤) ، وسوّغهم الحريم المستضعف (١٥) والأولاد ، وبالله نستدفع ما لا نطيقه ، ومنه نسأل عادة الفرج ، فما سدّت لديه طريقة ، إلّا أنّا رأينا غفلة الناس مع
__________________
(١) من هنا حتى الآية الكريمة (إحدى الحسنيين) ورد في نفح الطيب (ج ٦ ص ٢٠٤ ـ ٢٠٥).
(٢) كلمة «تعالى» ساقطة في الأصل ، وقد أضفناها من النفح.
(٣) قوله : «فوجب علينا» ساقط في النفح.
(٤) في النفح : «المتفرقة».
(٥) في المصدر نفسه : «كبير دين النصرانية».
(٦) في المصدر نفسه : «يكبرون».
(٧) خضم الطعام : قطعه وأكله. والقضم : التقطيع بأطراف الأسنان. لسان العرب (خضم) و (قضم).
(٨) كلمة «لهم» ساقطة في النفح.
(٩) في الأصل : «ويرفى» والتصويب من النفح. ويرفو : يرقع. لسان العرب (رفا).
(١٠) في النفح : «القطر».
(١١) في النفح : «يدمثوا».
(١٢) في النفح : «ارتضاه من أمته الطاعة».
(١٣) في النفح : «في».
(١٤) الطارف : الجديد المستحدث. التّلاد : القديم الموروث. لسان العرب (طرف) و (تلد).
(١٥) كلمة «المستضعف» ساقطة في النفح.