أرجونة ، ونزل بها ، وتسومع به ، وأقبل السلطان وأظهاره ، وتكلموا في شأنه ، فذكر غرضه فيه ، وأظهر العجز عن الثّمن ، وسأل منه تأخير بعضه ، فأسعفه ، واشترى منه الفرس بمال له خطر. فلما كمل له القصد ، طلب منه الخلوة به في المسجد من الحصن ، وخرج له عن الأمر ، وأعطاه بيعته ، وصرف عليه الثّمن ، واستكتمه السلطان خيفة على نفسه ، وانصرف إلى بلده.
قال : وفي العام بعده ، دعا إلى نفسه بأرجونة ، وتملّك مدينة جيّان ، واختلف في السبب الذي دعاه إلى ذلك ، فقيل : إن بعض العمال أساء معاملته في حقّ مخزني ، وقيل غير ذلك.
حاله : هذا الرجل كان آية من آيات الله في السّذاجة والسلامة والجمهورية ، جنديّا ، ثغريّا شهما ، أيّدا ، عظيم التّجلّد ، رافضا للدّعة والرّاحة ، مؤثرا للتقشف ، والاجتراء باليسير ، متبلغا بالقليل ، بعيدا عن التّصنّع ، جافي السلاح ، شديد العزم ، مرهوب الإقدام ، عظيم التّشمير ، مقريا لضيفه ، مصطنعا لأهل بيته ، فظّا في طلب حظّه ، محميا لقرابته وأقرانه وجيرانه ، مباشرا للحروب بنفسه ، تتغالى الحكاة في سلاحه ، وزينة دبوره. يخصف النعل ، ويلبس الخشن ، ويؤثر البداوة ، ويستشعر الجدّ في أموره. سعد بيوم الجمعة ، وكان فيه تملّكه جيّان ؛ ثم حضرة الملك غرناطة ، وقيل : يوم قيامه شرع فيه الصّدقة الجارية على ضعفاء الحضرة ، ومنائهم إلى اليوم. وتملك مدينة إشبيلية (١) في أخريات ربيع الأول من عام ظهوره ، وهو عام تسعة وعشرين وستمائة نحوا من ثلاثين يوما. وملك قرطبة في العشر الأول لرجب من العام المذكور ، وكلاهما عاد إلى ملك ابن هود.
ولما تمّ له القصد من تملّك البيضة ، والحصول على العمّال ، مباشرا للحسابات بنفسه ، فتوفّر ماله ، وغصّت بالصامت خزائنه ، وعقد السّلم الكبير ، وتهنّأ أمره ، وأمكنه الاستعداد ، فأنعم الأهواء ، وملأ بطن الجبل المتصل بالقلعة حبوبا مختلفة ، وخزائن درّة ، ومالا وسلاحا وارية ظهرا ، وكراعا ، فوجد فائدة استعداده ، ولجأ إلى ما ادّخره من عتاده.
سيرته : تظاهر لأول أمره بطاعة الملوك بالعدوة وإفريقية ، يخطب لهم زمانا يسيرا ، وتوصل بسبب ذلك إلى إمداد منهم وإعانة ، ولقبل ما افتتح أمره بالدعاء للمستنصر العباسي ببغداد ، حاذيا حذو سميّه ابن هود ، للهج العامة في وقته ، بتقلد تلك الدعوة ، إلى أن نزع عن ذلك كله.
__________________
(١) في المغرب : «وقد ملك إشبيلية وقتل ملكها المعتضد الباجي».