وخاطبا إثره وودّه ، مسترفدا من منحة قبوله ، فألفيت بشرا مبذولا ، ورفدا ممنوحا ، وعزّا باذخا ، يضيق الزمان عن جلالته ، وتقصر الألسنة عن كنه وصفه ، فكان دخولي عليه في الثامن والعشرين من شهر ذي قعدة عام خمسة وخمسين المذكور ، وأنشدته بين يدي المخاطبة ، ومضمن الرسالة : [المنسرح]
خليفة الله ساعد القدر |
|
علاك ما لاح في الدّجى قمر |
فأحسب وكفى ، واحتفل واحتفى ، وأفضت بين يديه كرمته ، إلى الحضور معه في بعض المواضع المطلة على مورد رحب. هاج به الخدّام أسدا ، أرود ، شثن الكفّين ، مشعر اللّبدة ، حتى مرق عن تابوت خشبي كان مسجونا به ، من بعد إقلاعه ، من بعض كواه ، وأثارته من خلفه ، واستشاط وتوقّد بأسا. وجلب ثور عبل الشّوى ، منتصب المروى ، يقدمه صوار من الجواميس ، فقربت الخطى ، وحميت الوغى ، وبلغ الزئير والجوار ما شاء ، في موقف من ميلاد الشيم العلى يخشى الجبان مقارعة العدا ، ويوطن نفسه الشجاع على ملاقاة الرّدى ، وخار الأسد عن المبارزة ، لما بلغ منه ثقافا عن رد المناوشة ، ومضطلعا بأعباء المحاملة ، فتخطاه إلى طائفة من الرّجالة ، أولي عدّة ، وذوي دربة ، حمل نفسه متطارحا كشهاب الرّجم ، وسرك الدّجى ، وأخذته رماحهم بإبادته ، بعد أن أردى بعضهم ، وجدّل بين يدي السلطان ، متخبطا في دمه. وعرّض بعض الحاضرين ، وأغرى بالنظم في ذلك ، فأنشدته : [الكامل]
أنعام أرضك تقهر الآسادا |
|
طبعا كسا الأرواح والأجسادا |
وخصائص لله بثّ ضروبها |
|
في الخلق ساد لأجلها من سادا |
إن الفضائل في حماك بضائع |
|
لم تخش من بعد النّفاق كسادا |
كان الهزبر محاربا فجزيته |
|
بجزاء من في الأرض رام فسادا |
فابغ المزيد من آلائه بشكره |
|
وارغم بما خوّلته الحسّادا |
فاستحسن تأتّي القريحة ، وإمكان البديهة ، مع قيد الصّفة ، وهيبة المجلس. وكان الانصراف بأفضل ما عاد به سفير ، من واد أصيل ، وإمداد موهوب ، ومهاداة أثيرة ، وقطار مجنوب ، وصامت محمول ، وطعمة مسوعة. وكان الوصول في وسط محرم من عام ستة وخمسين وسبع مائة ، وقد نجح السّعي ، وأثمر الجهد ، وصدقت المخيلة ، وقد تضمّن رحلي الوجهة ، والأخرى قبلها جزء. والحمد لله الذي له الحمد في الأولى والآخرة. وتوفي ، زعموا ، بحيلة ، وقيل : حتف أنفه ، لمّا نهكه المرض ، وشاع عنه الإرجاف ، وتنازع ببابه الوزراء ، وتسابق إلى بابه الأبناء. وخاف مدبّر أمره ، عايدة ملامته ، على توقع برئه ، وكان سيفه يسبق على سوطه ، والقبر أقرب إلى من