وهذا السادس ، هو الذي في نفسي منه شيء ، وبه أنا أقيد أسماء من لقيت ، وما أخذت ، ويكون إن شاء الله إبراز إذا الصّحف نشرت. وأكثر زماني يذهب في كيفية الخروج عما أنا فيه ، فإذا ينظر إليّ العاقل في هذا الوقت بعين البصيرة ، لا يسعه إلّا الشّفقة عليّ ، والرّحمة لي ، فإنه يرى رجلا مطرقا أكثر نهاره ، ينظر إلى مآله ، فلا ينشط إلى إصلاحه ، وهو سابع ولا يلبس بالعبادة ، وهو في زمانها المقارب للفوت ، ولا ينهض إلى إقامة حقّ كما ينبغي لعدم المعين ، ولا يجنح إلى شيء من راحات الدنيا ، ويشاهد من علوم الباطل الذي لا طاقة له على رفعه ما يضيّق صدر الحرّ يقضي نصف النهار ، محتلّا في مكان غير حسن ، تارة يفكر ، وتارة يكتب ما هو على يقين منه أنه كذا لا ينتفع به ، ونصف النهار يقعد للناس ، تارة يرى ما يكره ، وتارة يسمع ما يكره ، لا صديق يذكّره بأمر الآخرة ، ولا صديق يسليه بأمر الدنيا ، يكفيني من هذه الغزارة ، اللهمّ إليك المشتكى يا من بيده الخلق ، ولا حول ولا قوة إلّا بالله.
شعره : من مطوّلاته في النزعة الغربية التي انفرد بها ، منقولا من ديوانه ، قال : ومما نظمته بسبتة في ذي الحجة من عام خمسة وعشرين وسبعمائة ، في وصف حالي ، وأخذها عني الأستاذ بسبتة ، أبو عبد الله بن هاني ، والأديب البارع أبو القاسم الحسيني ، وأبو القاسم بن حزب الله ، وسواهم. ولما انفصلت من سبتة إلى بلاد الريف (١) زدت عليها أبياتا في أولها ، وكثر ذلك بوادي لو من بلاد الريف وهي : [الطويل]
تأسفت لكن حين عزّ التأسّف |
|
وكفكفت دمعا حين لا عين تذرف |
ورام سكونا هو في رجل طائر |
|
ونادى بأنس والمنازل تعنف |
أراقب قلبي مرّة بعد مرة |
|
فألفيه ذيّاك الذي أنا أعرف |
سقيم ولكن لا يحسّ بدائه |
|
سوى من له في مأزق الموت موقف |
وجاذب قلبا ليس يأوي لمألف |
|
وعالج نفسا داؤها يتضاعف |
وأعجب ما فيه استواء صفاته |
|
إذ الهمّ يشقيه أو السرّ ينزف |
إذا حلّت الضّرّاء لم ينفعل لها |
|
وإن حلّت السّراء لا يتكيّف |
مذاهبه لم تبد غاية أمره |
|
فؤاد ، لعمري ، لا يرى منه أطرف |
فما أنا من قوم قصارى همومهم |
|
بنوهم وأهلهم وثوب وأرغف |
__________________
(١) تقع بلاد الريف في المغرب الأقصى. الإحاطة (ج ٢ ص ١٥١) حاشية رقم ١.