ودخلت سنة أربع وسبعين :
والفرنج مجدّون على قتال «حارم» ، ونقبوا في تلّ القلعة ، من جهة القبلة نقبا ، ومن جهة الشّمال آخر. فانهدّ السّور على من تحته ، وهو موضع البغلة (١) ، التي جدّدها السّلطان الملك الظّاهر ـ قدّس الله روحه ـ.
وامتنع القتال من تلك الناحية ، خوفا من وقوع شيء آخر. فأخرج المسلمون رجلا من عندهم إلى «طمان» ، يطلب الأمان من الملك الصّالح والنجدة ، فسيّر إلى الملك الصّالح ، وأعلمه.
فانتخب الملك الصالح رجالا أجلادا من الحلبّيين ، وأعطاهم مالا جزيلا ، وقال لهم : «أريد منكم أن تدخلوا قلعة حارم» ؛ فجاءوا ، والفرنج محدقون بها ، في الّليل ، فسلكوا خيامهم مفرّقين ، حتى جاوزوها ، وصاحوا بالتكبير والتّهليل ، وصعدوا القلعة ، وصار فيها شوكة من المقاتلة ، بعد أن كان قتل من المسلمين بها رجال عدّة. والمسلمون ـ أعني عسكر حلب ـ إذ ذاك حول الفرنج جرايد ، وأثقالهم «بدير سمعان» ، وهم يتخطّفون من يمكنهم أخذه من الفرنج ويحفظون أطراف البلد.
وسار العسكر عند ذاك إلى «دير أطمة» (٢) وصادفوا الفرنج في وطأة «أطمة» ، فحملوا عليهم ، فانهزموا وقتل من الفرنج ، وأسر جماعة ؛ فدام حصار الفرنج أربعة أشهر. وأرسل الملك الصّالح إليهم ، وقال : «إنّ
__________________
(١) جدار استنادي لدعم جدار قديم حتى لا ينهار.
(٢) اطمة الآن من قرى منطقة حارم في محافظة أدلب وتبعد عن ادلب مسافة ٨٩ كم.