فخرج إلى الباب ، فوجد مظفّر الدّين بن زين الدّين مع بني الغراف ، فقالوا له : «إنّ المولى عزّ الدّين قد أمرنا بالقبض عليك». فقال لهم : «السمع والطاعة ، فشأنكم وما أمرتم به» ؛ فأركبوه ، وحملوه ، والرجال محيطة به ، وفتحوا باللّيل باب القلعة ، واعتقلوه بها غير مضيّق عليه.
وأحضره «عزّ الدّين» ، ووانسه وقال : «لم أفعل ما فعلت إلّا لشدّة رغبتي فيك ، وافتقاري إلى مثلك» ؛ فعرّفه ما ينطوي عليه ، وأنّ ما نقل عنه لم يخطر بباله. فقال : «إنّ وقيعة أعدائك فيك ، لم تزدك عندي إلّا حظوة».
وبقي معتقلا في القلعة أسبوعا ، ثمّ خلع عليه ، وأطلقه وزاد في أقطاعه «الأخترين» (١).
وأقام «عزّ الدّين» حتّى انقضت مدّة الشّتاء ، ثم تزوّج أمّ الملك الصالح ، في خامس شوّال من السنة ، ثم سيّرها إلى الموصل ، واستولى على جميع الخزائن التي كانت لنور الدّين وولده بقلعة حلب ، وما كان فيها من السّلاح ، والزرد ، والقسيّ ، والخوذ ، والبركسطونات (٢) ، والنشّاب ، والآلات ، ولم يترك فيها إلّا شيئا يسيرا من السّلاح العتيق ، وسيّر ذلك كلّه إلى «الرّقّة».
وترك في قلعة حلب ولده نور الدّين محمودا طفلا صغيرا ، وردّ أمره
__________________
(١) الأخترين مركز ناحية تابعة لقضاء عزاز في محافظة حلب ، وتبعد عن حلب مسافة ٤٥ كم.
(٢) البركسطونات : دروع الفرسان أو الحيوانات في الحرب.