وأمسك الملك النّاصر يدي الباطني بيديه ، إلّا أنه لا يقدر على منعه من الضّرب بالكليّة ، بل يضرب ضربا ضعيفا ، فبقي الباطنيّ يضربه بالسكّين في رقبته ، وكان عليه كزاغند (١) ، فكانت الضّربات تقع في زيقه ، والزّرد يمنعها من الوصول. وجاء «سيف الدّين يازكج» فأمسك السكّين ، فجرحه الباطني ، ولم يطلقها من يده إلى أن قتل ، وجان باطنيّان آخران فقتلا.
وركب الملك الناصر إلى خيمته ، ولازم حصار عزاز ، حتى تسلّمها بعد قتال شديد ، في بكرة الأربعاء ، ثاني عشر ذي الحجّة. ورحل عنها إلى «مرج دابق».
ثم سار فنزل حلب ، يوم الجمعة ، منتصف ذي الحجّة ، وحصرها ، وبها جماعة من العسكر ، ومنع أهل البلد الملك النّاصر من التقرّب إلى البلد ، وكانوا يخرجون إلى خيم المعسكر فيقاتلوه ، وإذا مسك واحد منهم شرحت قدماه ، فيمتنع من المشي ، ولا يكفّون عن القتال ، وقام في نصرته السّنة والشّيعة من الحلبيّين ، وأعطي الشيعة «الشرقيّة» في المسجد الجامع ، فكانوا يجتمعون بها للصّلاة.
واتّفق أن الحلبيّين اجتمعوا تحت القلعة ، شاكّين في السّلاح ، يستأذنون الملك الصالح في الخروج إلى قتال العسكر ، فدخل رسول من الملك النّاصر ، يقال له «سعد الدّين أبو حامد العجمي الكاتب» ، فصاح عوامّ الحلبيين : «ما نصالح يا رسول ، رح ، ودع عنك الفضول». ورجموه
__________________
(١) من أنواع الدروع السابغة.