ورجعت الخيّالة من الفرنج خوفا على الرّاجل أن يتبعوا المسلمين ، فيقع المسلمون عليهم ، فوجدوا الأمر على ما قدّروه ، فرأوا الرّجالة منهم قتلى وأسرى ، واتّبعهم نور الدين مع من انهزم من المسلمين ، فأحاطوا بهم من جميع الجهات ، فاشتدّ الحرب ، وكثر القتل في الفرنج ، فوقعت عليهم الغلبة.
وعدل المسلمون إلى الأسر ، فأسروا صاحب أنطاكية ، وصاحب طرابلس ، والدّوك مقدّم الروم ، وابن جوسلين ، ولم يسلم إلّا مليح بن لاون ، قيل إنّ الياروقيّة أفرجوا له حتى هرب ، لأنّه كان خالهم ، وكان عدّة القتلى تزيد على عشرة آلاف.
وسار إلى حارم فملكها في شهر رمضان من السنة ، وبث سراياه في أعمال أنطاكية ، فنهبوها وأسروا أهلها ، وباع البرنس بمال عظيم وأسرى من المسلمين (١).
ثمّ سار في هذه السّنة إلى دمشق ، بعد أن أذن لعسكر الموصل وديار بكر بالعود إلى بلادهم ، ثمّ خرج إلى بانياس ، فحصرها وقاتلها ، وكان معه أخوه نصرة الدّين أمير أميران ـ وكان قد رضي عنه وسامحه ـ وهو على حارم ، بعد أن دخل إلى الفرنج ، فأصابه سهم أذهب إحدى عينيه ، فقال له : «لو كشف لك عن الأجر الّذي أعدّ لك لتمنّيت ذهاب الأخرى» ، وجدّ في حصارها وفتحها ، وملأ القلعة بالذّخائر والرّجال ، وشاطر الفرنج
__________________
(١) انظر وقارن الروضتين ج ١ ص ١٣٣ ـ ١٣٤.