يحثّوا المسلمين على الغزاة ، وقد قعد كلّ واحد منهم ومعه أتباعه وأصحابه ، وهم يقرؤون كتب نور الدّين ، ويبكون ، فأخاف أن يجتمعوا على لعنتي والدعاء عليّ». ثم تجهّز وسار بنفسه.
ولمّا اجتمعت العساكر خرج نور الدّين إلى حارم ، وحصرها ، ونصب المجانيق عليها ، وزحف إليها ، فخرج البرنس بيمند ، والقمص صاحب طرابلس ، وابن جوسلين والدوك مقدّم كبير من الروم. وابن لاون ملك الأرمن ، وجمعوا جميع من بقي من الفرنج بالسّاحل ، وقصدوا نور الدّين.
فرحل إلى أرتاح ليتمكّن منهم إن طلبوه (ويبتعدوا) عن البلاد إن لقوه ؛ وسيّر أثقاله إلى تيزين (١) ، فساروا فنزلوا على الصفيف (٢) ، ثم عادو إلى حارم ، فتبعهم نور الدّين على تعبئة الحرب ، فلمّا تقاربوا اصطفّوا للقتال فحمل الفرنج على ميمنة المسلمين ، وفيها عسكر حلب وصاحب الحصن ، فانهزم المسلمون حتّى وصلوا إلى جدارهم ؛ ونور الدّين واقف بازائهم على تلّ هناك يتضرّع إلى الله ، وهو مكشوف الرّأس.
وبقي راجل الفرنج فوق عمّ ، ممّا يلي حارم بالصّفيف ، فعطف عليهم زين الدّين عليّ كوچك في عسكر الموصل ، وكان نور الدين قد جعله كمينا في طرف العمق ، وآجام القصب ، فقتلهم عن آخرهم.
__________________
(١) تيزين من نواحي حلب ، كانت تعد من أعمال قنسرين. معجم البلدان.
(٢) في الروضتين نقلا عن العماد والأصفهاني «نزلوا على عم» الروضتين ج ١ ص ١٣٣ ، هذا ويوجد الآن في منطقة حارم قرية اسمها صفصافة.