إلى بلبيس ، وسار نور الدّين إلى طرف بلادهم ليمنعهم عن المسير ، فلم يلتفتوا ، وتركوا في بلادهم من يحفظها.
وسار ملك القدس في الباقين إلى بلبيس ، واستعان بجمع كثير كانوا خرجوا إلى زيارة القدس ؛ وأقام أسد الدّين ببلبيس ، وحصره الفرنج ، والعسكر المصريّ ثلاثة أشهر وهو يغاديهم القتال ويراوحهم ، فلم يظفروا منه بطائل ، مع أنّ سور بلبيس قصير ، وهو من طين (١).
فعند ذلك خرج نور الدّين لقصد بلاد الفرنج ، ونزل إلى حلب وجمع العساكر وأرسل إلى أخيه قطب الدّين صاحب الموصل ، وإلى فخر الدّين قرا أرسلان صاحب حصن كيفا وإلى نجم الدّين ألبي صاحب ماردين وغيرهم من أصحاب الأطراف واستنجد بهم.
فسار قطب الدّين ومقدّم عسكره زين الدّين علي كوچك ، وسيّر صاحب ماردين عسكره ؛ وأما صاحب الحصن فقال له خواصّة وندماؤه : «على أي شيء عزمت»؟ فقال : «على القعود ، فإنّ نور الدّين قد تحشّف من كثرة الصّوم والصّلاة ، فهو يلقي نفسه ومن معه في المهالك».
فلمّا جاء الغد أمر العسكر أن يتجهّر للغزاة فسألوه عمّا صدفه عن رأيه ، فقال : «إنّ نور الدّين إن لم أنجده خرجت بلادي عن يدي ، فانه قد كاتب زهادها والمنقطعين عن الدّنيا يستمدّ منهم الدّعاء ، ويطلب منهم أن
__________________
(١) انظر وليم الصوري ص ٨٩٤ ـ ٩٢٢.