فكسرهم نور الدّين كسرة عظيمة في جمادى الأولى سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة (١).
ثمّ عاد نور الدّين إلى حلب ، فمرض بها في سنة أربع وخمسين مرضا شديدا ، بقلعتها ، وأشفى على الموت ، وكان بحلب أخوه الأصغر نصرة الدّين أمير أميران محمّد بن زنكي ؛ وأرجف بموت نور الدّين ؛ فجمع أمير أميران النّاس ، واستمال الحلبيّين ، وملك المدينة دون القلعة ، وأذن للشّيعة أن يزيدوا في الأذان : «حيّ على خير العمل محمّد وعليّ خير البشر» ، على عادتهم من قبل ، فمالوا إليه لذلك.
وثارت فتنة بين السّنة والشّيعة ، ونهب الشّيعة مدرسة ابن عصرون وغيرها من أدر السّنة ، وكان أسد الدّين شيركوه بحمص ، فبلغه ذلك فسار إلى دمشق ليغلب عليها ، وكان بها أخوه نجم الدّين أيّوب فأنكر عليه ذلك ، وقال : «أهلكتنا والمصلحة أن تعود إلى حلب ، فان كان نور الدّين حيّا خدمته في هذا الوقت ، وإن كان مات فأنا في دمشق ، وتفعل ما تريد».
فعاد مجدا إلى حلب ، فوجد نور الدّين وقد ترجح إلى الصّلاح ، فأجلسه في طيّارة مشرفة إلى المدينة ، بحيث يراه النّاس كلهم ، وهو مصفرّ الوجه من المرض ، ونادوا إلى الناس : «هذا سلطانكم». فقال بعضهم :
__________________
(١) انظر وليم الصوري ص ٨٩٠ ـ ٨٩٢.