«ما هذا نور الدّين ، بل هو فلان» ـ يعنون رجلا كان يشبهه وقد طلى وجهه بصفرة ، ليخدعوا الناس بذلك.
ولما تحقّق أمير أميران عافية أخيه خرج من الدّار الّتي كان بها تحت القلعة ، وبيده ترس يحميه من النّشّاب ، وكان النّاس قد تفرّقوا عنه ، فسار إلى حرّان ، فملكها.
وسير نور الدّين إلى قاضي حلب ، جدّي أبي الفضل هبة الله بن أبي جرادة ، وكان يلي بها القضاء والخطابة والإمامة ، وقال له : «تمضي إلى الجامع ، وتصلي بالنّاس ، ويعاد الأذان إلى ما كان عليه».
فنزل جدّي ، وجلس بشمالية الجامع تحت المنارة ، واستدعى المؤذّنين ، وأمرهم بالأذان المشروع على رأي أبي حنيفة ، فخافوا فقال لهم : «ها أنا أسفل منكم ولي أسوة بكم».
فصعد المؤذّنون وشرعوا في الأذان ، فاجتمع تحت المنارة من عوامّ الشّيعة وغوغائهم خلق كثير ؛ فقام القاضي إليهم ، وقال : «يا أصحابنا ، وفّقكم الله ، من كان على طهارة فليدخل وليصلّ ، ومن كان محدثا فليجدّد وضوءه ويصلي ، فان المولى نور الدّين ـ بحمد الله ـ في عافية ، وقد تقدّم بما يفعل ، فانصرفوا راشدين». فانصرفوا وقالوا : «ايش نقول لقاضينا»! ونزل المؤذّنون وصلى بالنّاس ، وسكنت الفتن.
فلما عوفي نور الدّين قصد حرّان ، فهرب نصرة الدّين أمير أميران ،