وكان ممّن قتل ذلك اليوم البرنس صاحب أنطاكية ، وكان من عظماء الفرنج وأقويائهم. ويحكى عنه أنّه كان يأخذ الركاب الحديد بيده ، فيطبقه بيده الواحدة ؛ وأنّه مرّ يوما وهو راكب حصانا قويّا تحت قنطرة فيها حلقة أو شيء ممّا يتعلّق به ، فتعلّق بيديه وضمّ فخذيه على الحصان فمنعه الحركة.
فلما قتل البرنس ملك ابنه بيمند ، وتزوّجت أمّه بابرنس آخر ، ليدبّر البلد إلى أن يكبر (١) ابنها ، وأقام معها بأنطاكية ، فغزاهم نور الدّين غزوة ثانية ، فاجتمعوا ولقوه فهزمهم ، وقتل منهم خلقا وأسر كذلك ، وأسر البرنس الثّاني زوج أم بيمند ، واستقلّ بيمند بأنطاكية.
وفي ذلك يقول الشّيخ أبو عبد الله القيسرانيّ من قصيدة أوّلها :
هذي العزائم لا ما تدّعي القضب |
|
وذي المكارم لا ما قالت الكتب |
صافحت يا «بن عماد الدّين» ذروتها |
|
براحة للمساعي دونها تعب |
أغرت سيوفك بالأفرنج راجفة |
|
فؤاد رومية الكبرى لها يجب |
ضربت كبشهم منها بقاصمة |
|
أودى بها الصّلب وانحطّت بها الصّلب |
طهّرت أرض الأعادي من دمائهم |
|
طهارة كلّ سيف عندها جنب (٢) |
وقال ابن منير في ذلك :
صدم الصّليب على صلابة عوده |
|
فتفرّقت أيدي سبا خشباته |
وسقى البرنس وقد تبرنس ذلّة |
|
بالرّوج ممّا قد جنت غدراته |
__________________
(١) انظر وليم الصوري ص ٧٨٩ ـ ٧٩٣ ، ٨٠٤ ، ٨١٤.
(٢) انظر القصيدة كاملة في الروضتين ج ١ ص ٥٨ ـ ٥٩.