وبقيت القلعة ، وكان الولاة في القلاع من جهة نور الدّين ، فترك في البلد من يحفظه ، ويمنع من في القلعة من النّزول.
وسار إلى حماة ، فملك مدينتها مستهلّ جمادى الآخرة ، وكان بالقلعة عزّ الدّين جورديك ، فأرسل إليه ، وقال له : «إنّي في طاعة الملك الصّالح ، والخطبة له في البلاد التي في يدي على حالها ، والمقصود اتّفاق الكلمة على طاعة الملك الصّالح ، وأن نستعيد البلاد الجزرية ونحفظ بلاده». فاستحلفه جورديك على ذلك ، وسيّره إلى حلب في اجتماع الكلمة ، وفي اطلاق شمس الدّين عليّ وأخويه من السّجن ، وكان إقطاعهم قد قبض من نوّابهم ، ولم يبق في أيديهم غير شيزر ، «وقلعة جعبر».
واستخلف جورديك بقعلة «حماة» أخاه ليحفظها ، فلمّا وصل جورديك قبض عليه كمشتكين ، وسجنه ، فعلم أخوه بذلك ، فسلّم قلعة حماة إلى الملك النّاصر.
وسار الملك النّاصر إلى حلب ، فوصلها في ثالث جمادى الآخرة من سنة سبعين ، وحصرها. فركب الملك الصّالح ، وهو صبيّ عمره اثنتا عشرة سنة ، وجمع أهل حلب ، وقال لهم : «أنا يتيمكم ، وقد عرفتم إحسان أبي إليكم ، وقد جاء هذا الظّالم ينتزع ملكي» ، وقال أقوالا كثيرة ، وبكى فأبكى الناس ، وبذلوا أنفسهم وأموالهم له ، واتّفقوا على القتال دونه ، والذبّ عنه.
فجعل الحلبيّون يخرجون ، ويقاتلون الملك النّاصر عند «جبل