وبقيت المواحشة بين أمراء حلب والمواصلة ؛ والحلبيّون لا يرون التغاضي لمجاهد الدّين ، ومجاهد الدّين يحاول أن يكونوا معه كأمراء الموصل ، والأمراء الحلبيّون يمنّون عليه. بأنّهم اختاروه لهذا الأمر ، ويطلبون منه الزّيادة ، ويختلق المواصلة عليهم الأكاذيب.
فهرب الأمير علم الدّين سليمان بن جندر ، قاصدا «الملك النّاصر» إلى مصر ، فقالوا لعزّ الدّين : «إنّ طمانا سيهرب بعده ، فأمر عزّ الدّين ، مظفر بن زين الدين ، وبني الغراف ، والجراحي وغيرهم أن يمدوا من «السّعدي» إلى «المباركة» في طريقه ، وأن يقف جماعة حول دار «طمان» ـ وكان يسكن خارج المدينة ـ.
فلما لم يجر من «طمان» شيء من ذلك ، جاءوا إليه نصف اللّيل ، وطلبوه ، فخرج إليهم ، فوجد ابن زين الدّين وبني الغراف ، فسألهم عمّا يريدون ، فقالوا : «إنّه أنهي إلى عزّ الدّين بأنّك تريد الهرب ، وقد أمرنا بأن نعوقك» فقال : «والله ما لهذا صحّة ، ولو أردت المسير عن حلب لمضيت ، لا على وجه الخفية ، ولا أخاف من أحد».
فجعلوا لهم طريقا آخر إلى نيل غرضهم ، وأصبحوا ، وعزّ الدّين منتظر ما يكون ، فقالوا له : «كان قد عزم على الهرب ، فلما علم أنّ الطريق قد أخذ عليه ، وأن الدّار قد أحيط بها أخّر ذلك إلى وقت ينتهز فيه الفرصة ، والمصلحة قبضة قبل هربه». فأمرهم بأن يقبضوه محترما ، ويحضروه إليه.
فجاؤوه ليلا ، من أعلى الدّار وأسفلها ، وأزعجوه ، وكان نائما ،