وعمل في وقته من العجائب :
قبة لها أربعة أركان في كل ركن منها كورة يخرج منها كالدخان الملتف في أواني وفي ألوان شتى ؛ أبيض ، وأخضر ، وأصفر ، وأحمر ، وأسود ، ومختلط.
فالأبيض : يستدلوا به على الجدب.
والأخضر : يستدلوا به على العمارة والخصب وحسن النبات.
والأصفر : يستدلوا به على آفات تحدث في الفلك.
والأحمر : على الدماء ، والحروب ، وتحريك الأعداء.
والأسود : دليل على كثرة المياه والمطر ، فساد بعض البلاد.
والمختلط : علامة على مظالم الناس وفساد بعضهم على بعض ، وإهمال ملوكهم إياهم.
وكانت هذه القبة مرتفعة على منار أقامت زمانا فزحف بعض ملوك البربر إلى تلك النواحي ، فرآها فهدمها ، وعمل له أيضا في صحراء الغرب شجرة من نحاس عليها أمثال الوحوش مكممة بخيوط من نحاس ، فإذا اجتاز عليها شيء من جنسها ربضت حتى تؤخذ ، فينتفع الناس من لحومها ، وانتفعوا بجلودها دهرا. فأراد بعض ملوك الغرب أن يحولها إلى مدينته سرا ، فلما قلعها بطل عملها.
ومما عمل في وقته : شجرة من نحاس عليها تمثال غراب من نحاس في منقاره حربة بادية الطرفين ، وهو منشور الجناحين ... ملتوية على ظهره ، فكانت الغربان إذا مرت بها وقفت عليه حتى يمسكن فرحلت الغربان إلى ناحية الشمال.
فاعتل بعض الملوك ، فوصفوا له / لحم غراب مطبوخا ، فتلمسوا غرابا ، فلم يجدوه ، فوجه إلى ناحية الشام قاصدا يأتيه بغراب فأبطأ عليه ، وازدادت علته ، فأمر بنزع الشجرة ، فرجعت الغربان ، فاستعمل منها حاجته قبل مجيء رسوله.
ومما عمل في وقته : صنم أسود على قاعدة سوداء ، وعلى كتفه قفّة ، وفيها مسحاة ، ونقش على رأسه وصدره ، وذراعيه وساقيه حروفا ، وقامته ، يطالع (١) وجعل وجهه ناحية المغرب فانكشفت (٢) تلك الرمال جميعها ، ورجعت إلى ورائها ، فتلك التلال العالية منها ولم تزل تندفع عنهم حتى تحول الصنم.
وأقام بودشير مدة محتجبا عن الناس ، وكان يخرج لهم في صور شتى ، وربما
__________________
(١) من أول كلمة ذراعيه إلى موضع الإشارة تكرر في المخطوط فحذفته.
(٢) في المخطوط : فاكشف ، وهو تحريف.