فقال : أحسن ما بينك وبين الله وصلهم وأبشر بخير.
فانصرف ، ثم مكث قليلا ، ثم أتاه في صورته التي جاءه فيها وأعاد عليه القول ، فقال له مثل قوله الأول ، فانصرف.
ثم / غاب قليلا وجاءه وقد نزل بخت نصر حول بيت المقدس وأرميا على حائط من جدار بيت المقدس مستبشرا بنصر ربه ، فقعد بين يديه ، وقال : يا نبي الله ، شيء يصيبني منهم قبل اليوم كنت أصبر عليه ، واليوم رأيتهم في عمل لا يرضي الله تعالى فغضبت لله ولك ، وأنا أسألك بالله الذي بعثك بالحق إلا ما دعوت الله عليهم ليهلكهم.
فقال أرميا : أللهم إن كانوا على حق وصواب فأبقهم ، وإن كانوا على ما لا يرضيك فأهلكهم.
فما خرجت الكلمة حتى أرسل الله صاعقة من السماء في بيت المقدس فالتهب مكان القربان وخسف بسبعة أبواب من أبوابها. فلما رأى أرميا ذلك ، ناح وشق ثيابه ونبذ الرماد على رأسه ، وقال : أين وعدك؟ فنودي : إنهم لم يصبهم ما أصابهم إلا بفتياك ودعائك ، فعلم عند (١) ذلك أن السائل كان ملكا من قبل الله مرسلا ، فسار أرميا حتى خالط الوحش.
ودخل بخت نصر وجنوده بيت المقدس ووطىء الشام ، وقتل بني إسرائيل حتى أفناهم ، وخرب بيت المقدس. ثم أمر جنوده أن يملأ كل رجل منهم ترسه ترابا ثم يقذفه في بيت المقدس. فقذفوا فيه التراب حتى امتلأ. ثم أمرهم أن يجمعوا كل من في بلدان بيت المقدس ، فجمعوهم. فاجتمع عنده كل صغير وكبير ، فاختار منهم مائة ألف ألف صبي وقتل ستين ألف صبي.
فلما خرجت غنائم جنده ليقسم قالت له الملوك الذين كانوا معه : لك غنائمنا كلها ، فاقسم بيننا هذه (٢) الصبيان الذين اخترتهم من بني إسرائيل ، ففعل.
فأصاب كل رجل منهم أربعة غلمان ، وكان فيهم دانيال وحناينا وعزاريا ومنشائل وسبعة آلاف من أهل بيت داود عليهن السلام ، وأحد عشر ألف من سبط يوسف بن
__________________
(١) في المخطوط : عن ، وهو تحريف ، وحاش الله أن يكون من الماكرين المخادعين الذين يخدعون الأنبياء وأن يخلف وعده الذي وعدهم وحاشا لنبي من أنبيائه أن يهيم بين الوحش ويترك رسالته التي أرسله بها ويتخلى عن أمانته التي أمنه الله إياه خوفا أو جزعا أو جبنا أو حتى لضيق صدر من قومه أو من إرهاب عدوهم ، أو اعتراضا على قضاء الله تعالى وقدره. فكيف يقبل هذا الوصف في من وصف بأنه نبي من أنبيائه سبحانه وتعالى.
(٢) في المخطوط : هذا ، وهو تحريف.