أهلها واستباح حريمها وغصب أموالها فسئمه الناس ، وكرهوا وتمنوا زواله وهلاكه ، فعاش مملكته مائة وعشرين سنة. فركب يوما لحاجة فألقته فرسه في وهدة فهلك ، واستراح الناس منه ، ودفن في الهرم ، وتولى بعده ولده الريان.
الريان بن الوليد وتقليده الملك :
فجلس الريان على سرير ملكه وكان عظيم الخلق جميل الوجه عاقلا متمكنا ، فجمع الناس فأحسن إليهم ، وأنزلهم منازلهم وأكرم كبراءهم ، ووهب أغنياءهم ، وواسى فقراءهم وحط عنهم الخراج ثلاث سنين ، ففرحوا به ، ودعوا له ، وشكروه وأثنوا عليه.
ثم أمر بفتح الخزائن فنقد ما فيها من الخاص والعام من أرباب المملكة ، وأمرهم بالعمائر من سد الجسور ، وجري المياه ، وعقد القناطر ، وحفر الترع وإصلاح البلدان ، وتقوية الفلاحين والمزارعين ومشايخ العربان ، وغير ذلك مما هو سبب لبقاء مملكته وحفظ رعيته.
ثم الريان اختلى بنفسه وقد تمكن أريحية الصبا فملك على البلدان رجلا من أهل بيته اسمه العزيز ، وكان من أولاد الوزراء ذا عقل ودهاء. غير أنه / قد أخطأ الرأي بميله مع هواه (١) وكثرة نزاهته ، وانعكافه على تهتكاته ومع ذلك كان عادلا قائما بمصالح الرعية مجتهدا في العمائر وتمهيدها ، فأمر العزيز أن ينصب له في قصره سريرا من الفضة برسم الجلوس ، وأشار لأرباب مملكته ، ووجوه دولته أن يجتمعوا صباح كل يوم بين يديه فيشاورهم في أمر يفعله أو حال يحدثه.
وأما الريان ابن الوليد ، فلا يلتفت إلى شيء من أمر مملكته ، وقد فوض أمره في ذلك للعزيز ، وهو مقبل [على](٢) ما هو عليه من بهته ولهوه وانغماسه في لذاته ولعبه ، فلا يظهر لأحد ولا يخاطب أحدا. فأقاموا على ذلك حينا والبلد في أمان والناس في عافية ، ويقال : [أن](٢) الخراج قد بلغ وقته وأيام العزيز ستة وتسعين ألف ألف مثقال جعلها العزيز أقساما فما كان له ولنسائه حمل إليه ، وما كان في أرزاق الحكماء والكهنة والفلاسفة وأصحاب الصنايع ومصالح البلد صرف إليهم.
ثم أن الريان أمر العزيز أن يهيىء له أماكن المفترجات والمنتزهات ، ويولد له فيها من العجائب والغرائب ما لم يسبق إليه. فعمل له مجالس الزجاج الملون وأخرى حولها الماء ، وأرسل فيه الشيمك المقرط والبلور الملون ، فكان إذا وقعت عليه الشمس أرسل شعاعا عجيبا يبهر العيون وعمل له متنزهات على عدد أيام السنة فكان كل يوم في موضع
__________________
(١) في المخطوط : هوايه ، وهو تحريف.
(٢) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.