منها فبلغ أمره واتصل بالملوك والفرسان ، وسادات العربان. وأن العزيز المخلف عنه وهو الذي يدبر أمر مملكته والقائم بمصالح جيشه ورعيته.
فأرسلوا للريان رجلا من العمالقة وعضدوه بالجيش الكثيف ، وهذا الرجل اسمه : عاكن ويكنى أبا قابوس ، فسار إلى أن دخل مصر ، فنزل أولا على حدودها طامعا في أخذها. فاتصل أمره بالعزيز فأنفذ إليه جيشا معدا وجعل عليه قائدا اسمه : بريانس ، فأقام يحاربه ثلاث / سنين ، ثم ظفر به العمليقي فقتله ، ودخل عاكن من الحدود ، فهدم أعلاما ومصانع كثيرة ، وطمع في أخذ أهل مصر. فسمع بذلك أهل البلاد وشاع بينهم ، فعند ذلك اجتمع كبراء مصر من الوزراء والأمراء ومن شاكلهم ، ووقفوا بباب الملك ، واستغاثوا وأعلنوا بالصياح حتى سمعهم الملك من داخل قصره.
فقال : ما الخبر؟ وما الذي قد حدث؟
فأخبروه بخبر العمليقي وأنه غار على مصر ، وقتل كثيرا من عسكرها ، وأفسد معالمها وأعلامها وقد قصد الملك بجيش كثير معدين. فلما سمع كلامهم صحا من سكرته وارتاع لذلك وأنف. ونادى في مملكته أن لا يتأخر أحد عن إصلاح أمره واستعداده لمحاربة العمليقي.
فاجتمع عسكر مصر أجمع وأركب الريان وهزمه وظفر ببعض أصحابه فاستأسرهم ، فولى عنهم فتبعه إلى حدود الشام ، وقتل من أصحابه خلقا كثيرا ، وفسد زروعهم وحرق أشجارهم وقتل وصلب ، ونصب أعلاما على الموضع الذي بلغه وانتصر فيه وزبر على الأعلام : أن من جاوز هذا المكان لبالمرصاد. فهابه الملوك وأذعنوا له وأطاعوا ، وقيل أنه دخل على الموصل ، وصيرت على أهل الشام خراجه. وبنى عند العريش مدينة لطيفة وشحها بالسكان من الفرسان والشجعان وأعدهم بالسلاح وآلات القتال. ورجع إلى مصر فحشد جنودها من جميع الأعمال واستعد لغزو ملوك المغرب ، فخرج سائرا نحوهم في تسع مائة ألف فارس والأتباع فاتصل خبره بملوك الأرض فمنهم من تنحى عن طريقه ، ومنهم من دخل تحت طاعته.
وجاز على أرض البربر فأجلى كثيرا منهم ووجه قائدا له يقال [له](١) مريطس في سفن ، فركب من ناحية رقوده ، ومرّ بجرائر بني يافث فيها واصطلم أهلها وخرج من ناحته البربر فقتل بعضهم ، وصالح بعضهم ، وحملوا له الأموال وزحف إلى أفريقية ، وقرطاجنة ، فصالحوه على الأموال والهدايا حملوها له وسار ، وتوغل في البلاد / حتى بلغ مصب البحر الأخضر إلى بحر الروم ، وهو موضع الأصنام النحاس ، فأقام هناك
__________________
(١) ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السياق.