صنما ، ونصبه وزبر عليه اسمه وتاريخ الوقت الذي خرج فيه. وضرب الخراج على أهل تلك النواحي ، وعدّى إلى الأرض الكبيرة ، وسار إلى الأفرنجة ، ودخل الأندلس في حوزهم ، وعليها لذريق الأصفر فحاربه أياما. وقتل من أصحابه خلقا كثيرا ، وصالحه بعد ذلك على ذهب مضروب والتزم له أن لا يغزو مصر ، ومنع من أراد ذلك من أهل تلك النواحي. وانصرف راجعا وسار على عبر البحر مشرقا يشق بلاد البربر فما مرّ في موضع إلا خرجوا إليه وتمثلوا بين يديه ، ودخلوا تحت أمره ورأيه وقدموا له الهدايا.
ثم أخذ نحو الجنوب ، ومرّ ببلد الكوسا ، فلم يطيعوه ، وحاربوه فظفر بهم ، وقتل منهم جمعا كثيرا ، وبعث قائدا له (١) إلى ملكهم على عبر البحر الأسود ، فخرج إليه ملك تلك المدينة وأصحابه ، فاجتمع به القائد ، وعرّفه بالريان ، وحاله ، وطاعة الملوك له ، ومصالحتهم معه.
فقالوا : ما سلك ببلادنا هذه أحد غيره.
فقال لهم القائد : ولا ركب هذا البحر أحد.
قالوا : لا ، ولا يستطيع أحد أن يركبه لهوله ، وأخبروه أنه لربما أظلته الغمام فلا يرونه أياما.
فبينما هم كذلك إذ وافاهم الريان ، ودخل عليهم فلاقوه وأكرموه وأهدوا له ، وقدموا له فاكهة أكثرها الموز وأعطوه حجارة سودا إذا جعلت في الماء صارت بيضا. ثم سار حتى بلغ بلاد السودان ، ومملكة دمدم الذين يأكلون الناس أحياء فخرجوا إليه عراة وبأيديهم جزر الحديد ، وخرج ملكهم راكب ، وهو رجل مهاب عظيم الخلق له قرون عتلّ كأنه فيل له عينان كأنهما جمرتان.
فهزمهم الريان فولوا عنه حتى دخلوا في أدغال لا يطاق سلوكها ، فجاوزهم الريان إلى قوم في شبه القرود لهم أجنحة خفاف يثبون بها من غير ريش.
فمر على عبر البحر / المظلم فغشيهم منه غمام فرجع شماليا حتى مرّ على جبل بقالوس ، فرأى فوقه تمثالا من حجر أحمر ، وكأنه يومي بيده ارجعوا ، وعلى صدره مزبور : ما ورائي أحد .. فولوا راجعين حتى انتهى إلى مدينة النحاس فما استطاع الدخول إليها وسار حتى بلغ الوادي المظلم ، فكانوا يسمعون منه جلبة عظيمة ولا يرون أحدا. ثم سار حتى بلغ وادي الرمل فرأى على عبره أصناما عليها أسماء الملوك قبله ، فأقام معها صنما ، وزبر عليه اسمه ومسيره.
__________________
(١) في المخطوط : لهم ، وهو تحريف.