٣) حديث : «إذا مات ابن آدم ...» :
ولقد ذهب جمهور من المحققين من خاصة أهل السنة إلى أن حكم التكليف منسحب إلى ما بعد الموت ، على نهج إلهي خاص يجري مع مقتضيات حياة البرزخ.
ثم قالوا : فلا يرتفع هذا التكليف حتّى يسجد أهل الأعراف السجدة التي تثقل بها موازينهم.
قالوا : فإنه إن لم يكن التكليف منسحبا إلى هذه اللحظة ما نفعت هذه السجدة في شيء قط ، وهذا ثابت في السنة الصحيحة.
أمّا احتجاج بعضهم بحديث : «إذا مات (الإنسان) ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له» (١) ، فهو مراد به عمله الدنيوي الحادث بوساطة الهيكل البشري ، وهذا لا ينافي أن يكون لروحه عمل آخر حتميا ، بمقتضى نصوص الآيات ومفاهيم
__________________
(١) رواه مسلم (٢ / ١٦٧ نووي) ، وأبو داود (٢ / ١٠٦) ، والترمذي ، والنسائي ، والبخاري في الأدب المفرد.
والحديث واضح الدلالة في أن المراد : عمل الإنسان لنفسه في حياته ، لا عمل غيره له ، إذ أن ما ذكر في الحديث من عمله في حياته يقينا لا محالة ، وأهل الحديث على أنّ الحصر ليس على إطلاقه ، وأن العدد لا مفهوم له ، بدليل ما رواه ابن ماجه (١ / ٨٨) ، عن أبي هريرة رضياللهعنه ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إنّ مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته : علما نشره ، وولدا صالحا تركه ، ومصحفا ورثه ، ومسجدا بناه ، وبيتا لابن السبيل بناه ، ونهرا أجراه ، وصدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته». ورواه أيضا أبو نعيم في الحلية (٢ / ٣٤٤) ، وقد نظم السيوطي ذلك ، كما سيأتي.