كما لا تسمع جثث المقبورين كلام النّاس إلا إذا أشرقت عليها أنوار الأرواح ، وعلى هذا يقاس الحكم في كل آية على هذا المعنى.
أمّا الروح نفسها فإنّها استقلالا بذاتها وبمقتضى خلقها وتكوينها تسمع وترى وتحس وتدرك بطريقة ذاتية غير إرادية ، وهي كذلك تعمل ما شاء الله لا ما شاءت ، وليس يفقدها ذلك أنها نقلت من دار إلى دار ؛ بل هي هناك أقوى وأقدر ، وأنفذ وأمهر ، لانقطاعها عن العلائق المادية ، وتخففها من أثقال التكاليف والقبور والحجب البشرية ، وذلك في إشارة قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «الدنيا سجن المؤمن» (١) ، وقوله تعالى عن الكفار : (يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ) ، وكان يأسهم من إخوانهم باعتقادهم أن الموت عدم محض ، ونستغفر الله.
١٦) خاتمة :
أمّا بعد :
إنّ هذه الأدلة والآثار ، وإن اختلفت رتبها فإنه يشد بعضها بعضا ويعضده ، ويؤيده ويؤكده ، ويشرح مبهمه ويفصل إجماله ، وينصرف إليه حتّى لا توجد بعدئذ لمعترض أو منكر ثغرة ، يغالط النّاس في ذلك منها على الإطلاق ، وهي متفقة على صحة القدر المشترك بينها. وهو أن للموتى حياة برزخية جامعة ذات علم وعمل وسمو وتصرف وصلة لم
__________________
(١) رواه أحمد ومسلم والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة ، والطبراني والحاكم عن سلمان الفارسي ، والبزار عن ابن عمر ، وغيرهم.